ساهمت عطلة الأعياد المستمرة حتى منتصف الاسبوع المقبل في تغييب الحدث المحلي ما خلا المشهد الجامع في تشييع رئيس الحكومة السابق الراحل عمر كرامي في طرابلس، مفسحة في المجال أمام التطورات العربية والسورية لتتصدر الواجهة من خلال اشتداد المعارك في ​الغوطة الشرقية​ من جهة، وعلى الاراضي العراقية، اضافة الى اعلان الديوان الملكي السعودي عن اضطرار الملك عبد الله بن عبد العزيز الى دخول المستشفى بسبب التهاب في الرئتين، ما اعاد الى الكواليس السعودية قضية الخلافة وما يمكن ان ينجم عنها من تحولات، في ظل انفتاح ايراني سعودي متزايد من شأنه ان يطبع المرحلة المقبلة في مطلق الاحوال.

غير أنّ زوار العاصمة السورية يتوقفون عند الحوار غير المعلن بين بعض أركان النظام ومعارضين من الداخل السوري من جهة، وبين بعض قادة الجبهات وقادة المحاور لا سيما الجيش السوري الحر من جهة ثانية، ليؤكدوا أنّ الاسابيع القليلة المقبلة قد تحمل نهايات سعيدة لبعض الجبهات المشتعلة في الغوطة الدمشقية، ما سيؤسس إلى حوار علني بين النظام ومعارضيه، خصوصًا إذا ما توصل هؤلاء الى قواسم مشتركة في الاجتماعات المقررة لهم في تركيا منتصف الاسبوع المقبل.

هذا الكلام لا يعني أنّ الازمة السورية العسكرية شارفت على نهايتها. بيد أنّ فصائل المعارضة بمن فيهم "داعش" و"النصرة" باتت تسيطر بحسب جردة نهاية العام المنصرم على حوالي ثلثي الاراضي السورية بالرغم من التقدم الذي حققه الجيش السوري في حلب التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للنظام فيما تشكل محطة استراتيجية لقربها من الحدود التركية بالنسبة للمعارضة المسلحة، ما يعني أنّ العمل يجري في هذه المرحلة على تطهير بعض الجيوب التي تقضّ مضجع العاصمة وإقفال بعض الجبهات أو بقاياها إذا ما جاز التعبير في حمص في محاولة جادة من قبل الجيش والنظام لاعادة السيطرة الكاملة على الثلث المتبقي الذي يسيطران عليه وللمباشرة بالاعلان عن إعادة إعمار هذه المناطق والمحافظات التي ما زالت تحتوي على أكبر عدد من المدن والمرافق الاقتصادية والسياسية والحيوية، وتضمّ العدد الاكبر من مناصري النظام ومؤيديه.

في هذا السياق، يعتبر المصدر أنّ الازمة السورية بدأت تسير على وقع الاتصالات السعودية-الايرانية، كما تتحرك "داعش" على وقع الميدان العراقي في مشهد يبدو متكاملا في المضمون وان كان منفصلا في الشكل، خصوصًا أنّ تكثيف غارات التحالف على الجبهة العراقية يسير بالتوازي مع غارات مماثلة على الرقة وعلى مراكز الدولة الاسلامية في "كوباني" التي تشهد منذ أيام تقدّمًا بطيئا للاكراد والبشمركة مع ثبات في المواقع التي يسيطر عليها هؤلاء ما بدأ يشكل محرقة حقيقية للتنظيم الارهابي الواقع بين نيران الاكراد وقصف طائرات التحالف التي تربك المقاتلين وتحد من حركتهم وإن كانت لا تصيبهم في العمق. بيد أنّ ساحة الحراك السياسي ستنتقل إلى تركيا التي لم تعد قادرة على المراوحة في مواقعها الراهنة بعد سلسلة التحولات المتسارعة، ما يعني بأنّها باتت في مرحلة تراوح بين حدي دعم التحالف بصورة مباشرة أو الدخول في المعارك ضد النظام السوري مع ترجيح الاحتمال الثاني خصوصًا أنّ أيّ تراجع في الموقف التركي سيرتدّ على أمنها الاستراتيجي نظرا إلى مرابطة "داعش" على حدودها من جهة ولتحول أراضيها إلى غرفة عمليات للكثير من اجهزة المخابرات التي تنتظر اللحظة السياسية او العسكرية المؤاتية لتحقيق أكثر من هدف يصب في خانة تثبيت الخريطة الجيوسياسية الناشئة بفعل الاحداث والتطورات.