نعتقد أنّ الشقيقة مصر، وعلى مستوى مؤسسة الدولة، أو السلطة فيها، قدّمت قراءة خاصة بها لجهة الوضع في سورية، وخريطة الاشتباك فيها، ثم حقيقة ناتج هذا الاشتباك، وهي القراءة التي قُدّمت بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وبعد سقوط نظام الإخوان المسلمين، والذي بنى عليها الحكم الجديد موقفه من الحاصل في سورية، وهو موقف نعتقد أنّه لم يكن بالمعنى الاستراتيجي الذي يأتي متساوقاً مع مصالح الأمن القومي العربي، بمقدار ما كان موقفاً مبنيّاً على مصالح سياسية ضيقة لم تتجاوز لحظة سياسية طارئة بنت عليها حسابات وتقديرات خاطئة.

لم يستطع النظام الجديد في مصر أن يفعل أيّ شيء ملموس على مستوى علاقاته مع القيادة السورية، ردّاً عمّا كان قد قام به نظام مرسي الإخواني، ولم يستطع النظام الجديد أن يقوم بتجاوز ما ألحقه النظام السابق من ضرر بالعلاقات بين البلدين، غير أنّ مزاجاً عاماً مصريّاً شكل قفزة مهمة في فهم جزء من الحاصل في سورية، وهو مزاج لم يكن بعيداً أو مفصولاً عن مزاج إقليمي أو دولي شبه جامع، خصوصاً بعد اتضاح الصورة لحقيقة الحاصل في سورية.

نعتقد أنّ الشقيقة مصر تعاملت ببرودة هائلة مع القيادة السورية، حيث بدا واضحاً أن هناك موقفاً مصريّاً غير قادر على تجاوز الموقف الخليجي في بعض تفاصيله، وهو موقف ربما وضعه البعض في سياق الحرج الذي يمكن أن يلاقيه النظام أمام حلفائه من مملكة آل سعود، في حين أنّنا لا نرى الأمر كذلك، إذ أنّنا نعتقد أنّ الموقف المصري لم يكن يخشى الحرج، بمقدار ما هو موقف حقيقي مبنيّ على دور جديد للقيادة المصرية، يتجلى هذا الموقف بالبحث لمصر عن موقع جديد في ظل معارك كبرى تخوضها المنطقة.

الظاهر أن الأثر الخليجي لم يكن وحيداً في التأثير على القرار المصري، هذا إذا اعتبرنا أنّ هناك تأثيراً خليجيّاً على هذا القرار، كون أنّ هناك تقديرات خاطئة لوقائع هامة كانت تحصل على الأرض، ولم تستطع مؤسسات الدولة المصرية فهمها، أو التوصل إلى حقيقتها، لهذا جاء الحكم على بعض هذه الوقائع ناقصاً ومبنيّاً على التقديرات الخاطئة لها، الأمر الذي دفع القيادة المصرية إلى التسليم بأن القيادة السورية ضعيفة، وأنّ الدولة السورية أضحت في مكان آخر، حتى اعتبرت أنّ سورية مسرح صراع، أخذت تبحث فيه عن موطئ قدم لها.

إن القيادة المصرية انطلقت من جملة هذه «البديهيات» مسلمة أنّها قادرة على لعب دورها الحقيقي في ظلّ خريطة هذه الاعتبارات، فتواصلت مع الروسي على أنّه ليس ندّا، لكنّها لم تتواصل مع الإيراني، ليس من باب عدم إحراج أو إزعاج مشايخ الخليج، وإلا لما تواصلت مع القيادة الروسية، باعتبار أنّ القيادة الروسية هي من أزعجت وأحرجت مملكة آل سعود في موقفها من الحاصل في سورية، خصوصاً بعد محاولات عدة من قبل ممالك الخليج لشراء الموقف الروسي.

إنّ التواصل الإيجابي، المصري الروسي، يسقط مقولة أو ذريعة مفهوم الحرج للقيادة المصرية، أمام ممالك الخليج ومشايخه، ويضع ألف إشارة استفهام أمام علاقاتها الباردة جداً على طريق: القاهرة طهران، أو طريق: القاهرة دمشق، ويأخذنا إلى حدّ بعيد للإيمان بأنّ ما تقوم به القيادة المصرية لجهة برودتها أو حرارتها المرتفعة لبعض الملفات دون الأخرى، إنما هو تعبير حقيقي عن مواقفها تجاه هذه العناوين أو تلك.

من هنا ترانا نعتقد أنّ الحسابات الخاصة بالقيادة المصرية قائمة على إمكانية دخولها على الملف السوري، ليس من أجل إنهاء الحاصل فيه من بوابة قومية أو من تقدير معنوي له، بمقدار ما أنها تريد الدخول عليه من أجل تحسين شروط حضورها الإقليمي، وهناك فرق كبير بين المعنيين، لهذا نراها وفرّت مساحات كافية لأطراف ما سمّي «بالمعارضة السورية»، داخلياً وخارجياً، وهي بذلك تتجاوز بعض خطوط الحرج أمام مشايخ الخليج حين تتواصل مع بعض الأسماء المحسوبة على الإخوان وعلى تركيا، محاولة الالتفاف على التركي وعلى حضوره الإقليمي، وهو ما كان واضحاً بالرد التركي الذي كان صاعقاً عندما دفع باتجاه انتخاب التركي «خالد الخوجة» رئيساً لما يسمّى «بالائتلاف»!.

إنّ التواصل بين القيادة المصرية «والمعارضة السورية» ومحاولتها توفير شروط حضور كاف لها، ودعمها باتجاه تظهير عناوين ترقى إلى مستوى شروط موضوعة للضغط على الدولة السورية، وعلى القيادة السورية، من دون أدنى تواصل مع تلك القيادة، لا يأتي إلا في سياق استعمال القيادة المصرية لتلك «المعارضة» ودفعها باتجاه أن تكون حاضرة في شكل قوي في مواجهة القيادة السورية، علماً أنّ الاستخبارات المصرية يجب، نقول يجب، أن تعرف أكثر من أيّ طرف آخر كيف حُضّرت هذه المعارضة وكيف رُكّبت كأدوات استعمال إقليمية ودولية.

لو كانت القيادة المصرية الشقيقة تريد حضوراً في الملف السوري يكون بحجم تطلعات السوريين، ويكون بحجم وجود مصر التاريخ بالمعنى القومي والإقليمي، لكان عليها التواصل مع القيادة السورية من دون أدنى تردّد أو تلكؤ، لكنّنا نعتقد أنّ مثل هذا التواصل غير قائم الآن، ولا توجد إرادة مصرية للقيام به، في ظلّ ما وضّحناه حول تقديرات خاطئة لواقع العناوين الرئيسية التي تخصّ المعركة التي تدور رحاها على أرض وتراب الوطن السوري.

ندرك جيداً أنّه من حق مصر وقيادتها أن تبحث عن دور لها على المستوى العربي والإقليمي والدولي، لكن هذا الدور عندما يتعلق بمستقبل أيّ مكون عربي، أو على حساب وجوده، فإنّ هذا الدور سيكون في تقديرنا خارج السياق القومي وخارج السياق الإنساني.

مطلوب من مصر وقيادتها، أن تكون مصر التاريخية، ومطلوب من مصر وقيادتها التي أسقطت حكم عصابة الإخوان المسلمين فيها أن تكون إلى جانب سورية بعيداً عن حسابات استعمال ضيّق وغير أخلاقي، وبعيداً عن تردّد لا يفيد في خضم هذا الصراع المفتوح، ومصر ليس بعيداً عنها مثل هذه المواقف، لا عنها ولا عن قياداتها التاريخية، عندما وقفت في أكثر من لحظة سياسية تاريخية إلى جانب أشقائها العرب في أكثر من مكان وأكثر من جغرافيا.