رفض مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الفلسطيني بوضع جدول زمني لانهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، كان متوقعاً حتى ولو كان مقدراً له أن يحصل على تأييد أغلبية الأعضاء، لأن مندوب الولايات المتحدة الأميركية كان حاضراً، في حال حصل ذلك، لاستخدام الفيتو تماشياً مع السياسة الأميركية الداعمة لاسرائيل في كل الظروف والأوقات.
غير أن هذا الرفض، الذي ردت عليه السلطة الفلسطينية بتوقيع وثائق الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، والعديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى، أثار غضب حكومة العدو برئاسة بنيامين نتانياهو التي سارعت إلى تجميد تحويل أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة، ودعت واشنطن إلى الحذو حذوها في وقف مساعداتها إلى السلطة، والعمل على استخدام نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأميركي لدفع إدارة باراك أوباما للموافقة على الطلب الإسرائيلي.
ويبدو من الواضح أن هذا القرار الإسرائيلي إنما يستهدف اخضاع السلطة ودفعها إلى سحب طلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، لان ذلك يضع المسؤولين والضباط والجنود الإسرائيليين أمام مخاطر مواجهة استدعاهم إلى محكمة لاهاي لمحاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب موصوفة بحق الشعب الفلسطيني، والتي كان آخرها المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، وجريمة قتل الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فإذا ما رفضت إسرائيل الاستجابة لمثل هذا الطلب فإنها ستكون عندها أمام مواجهة مع المجتمع الدولي، واحتمال اتخاذ إجراءات دولية ضدها.، وفي حال اندفعت الأمور في هذا المنحى، فان ذلك يضع إسرائيل والسلطة أمام تحديات مواجهة وضع جديد من تصاعد حدة الصراع.
إسرائيل ستكون أمام تحدي مواجهة واقع انحلال السلطة وعودة تحمل كلفة احتلالها للضفة الغربية، ومواجهة انتفاضة جديدة وتصاعد في المقاومة الشعبية والمسلحة في حال اندفعت نحو المزيد من الخطوات الانتقامية، ولم تعمل من خلال واشنطن لأجل توفير مساعدات للسلطة بديلة عن تلك التي جرى قطعتها عنها عبر جهات حليفة لها. حتى يتم المحافظة على السلطة، ولا تندفع الأمور نحو التصعيد، كما نصح الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز.
أما السلطة الفلسطينية فإنها سوف تكون أمام سؤال رئيسي، وهو: ماذا سيكون موقف قيادتها، ولا سيما قيادة حركة فتح في حال سلكت الأمور مسار التصعيد وانهيار السلطة؟.
ما هي الاستراتيجية التي ستعتمدها؟
هل تبقى على اعتماد خيار الدبلوماسية سبيلاً وحيداً في مواجهة العدوانية الإسرائيلية وسياسات الاستيطان والاحتلال وقضم الحقوق ؟.
أم تجري مراجعة شاملة لهذه السياسة وتقرر العودة إلى منطلقات فتح التي وضعت جانباً بعد توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم الذي انهار وانهارت معه الأوهام على خيار التفاوض بديلاً عن خيار المقاومة المسلحة، وعلى خيار المراهنة على واشنطن بديلاً عن خيار المراهنة على الشعب الفلسطيني والدعم العربي والإسلامي ومناصري الشعب الفلسطيني في العالم؟.
هذه الأسئلة وغيرها تصعد هذه الأيام إلى السطح لترسم ملامح مرحلة جديدة من الصراع.
فاتفاق أوسلو كما قال وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان انهار، وهو فعلاً انهار قبل سنوات ومنذ اللحظة التي قررت فيها إسرائيل استخدامه غطاءً لمواصلة سياستها الاستيطانية التهويدية وجعل السلطة مجرد واجهة لتحقيق أهدافها في فرض الحل الصهيوني التصفوي للقضية الفلسطينية.
والواضح أن إسرائيل ليست على استعداد للسير في حل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وبالمقابل فان السلطة الفلسطينية لا تستطيع التسليم بالحل الصهيوني القاضي بإعطائها حكماً ذاتياً في إطار الدولة اليهودية العنصرية يسمى شكلاً دولة.
ولا هي قادرة على مواصلة التعايش مع الواقع الراهن.