لو لم تتصدّ الأحزاب والتيارات المسيحية الفاعلة ("التيار الوطني الحر"، "القوات اللبنانية"، حزب "الكتائب"، تيار "المردة") مدعومةً من "حزب الله"، لما كان النجاح من نصيب المعترضين على صفقة تلزيم الحوض الرابع في ​مرفأ بيروت​. ولو لم يحرك فريق داخل "تيار المستقبل" هذه الصفقة النائمة منذ أن كان نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة وغازي العريضي وزيراً للأشغال العامة والنقل، لما وضعت هذه الصفقة من جديد على طريق التنفيذ. صفقة تفوح منها روائح الفساد والمحسوبيات، من دون أن تخلو من الحسابات الطائفية. بحسب المتابعين لملف المرفأ، كان الهدف الأساس من ردم الحوض الرابع، تحويل 2000 فرصة عمل من مرفأ بيروت الى مرفأ طرابلس. وإذا كانت الغالبية الساحقة من سائقي الشاحنات المتضررين من الردم مسيحيةً في مرفأ بيروت، فالغالبية الساحقة المستفيدة في طرابلس لن تكون إلا سنيةً بإمتياز وتدور في الفلك السياسي للمسؤولين الذين أعادوا تحريك هذه الصفقة ومن بينهم أحد نوّاب المدينة الذي يملك شركة ضخمة داخل المرفأ لشمالي. طرح ملف الردم في عهد حكومة ميقاتي، غير أن الأخير طلب من العريضي رميه في الأدراج على إعتبار أنه "سيحدث بلبلةً سياسية، الحكومة بغنى عنها في هذه المرحلة".

بالأمس القريب، لزّم مدير المرفأ ​حسن قريطم​ المقرب من التيار الأزرق مشروع الردم الى متعهد "مستقبلي" الهوى أيضاً. ضرب قريطم عرض الحائط كل القوانين والمراسيم الجمهورية التي تمنعه من التلزيم، وكي يمعن في خروقاته، مرر الصفقة التي وصلت قيمتها الى 130 مليون دولار بالتراضي ومن دون أن تخضع لمناقصة كما تنص القوانين، وهذا ما لم يحصل سابقاً في تاريخ لبنان. وهنا تقول المصادر المتابعة "كل ذلك لم يكن ليحصل لولا الغطاء الذي حصل عليه قريطم من رئيس الكتلة النيابية للتيار فؤاد السنيورة". الحجة التي إنطلق منها أصحاب المشروع هي توسيع أرصفة حاويات الإستيراد، أما المساحات غير المستفاد منها داخل المرفأ البيروتي، فتفوق الخمسين ألف متراً مربعاً، كما أن المساحة المخصصة راهناً للحاويات لا تزيد نسبة الإستعمال فيها عن 36% من مساحة الأرصفة الإجمالية. هي الحجة التي إستعملت في العلن، أما في باطن أصحاب المشروع ورعاته، فلو رُدم الحوض الرابع لما كان بإمكان مرفأ بيروت بعد اليوم أن يستقبل البواخر التي تنقل الإيرادات غير الموضبة بحاويات، وستصبح هذه المهمة بعهدة مرفأ طرابلس حصراً، مع الأخذ بعين الإعتبار كل الصادرات الصناعية من خشب وحديد التي ستحتاجها سوريا والعراق في ورشة إعادة الإعمار، وما يمكن أن يكون حجم الأرباح الخاصة من هذه الأخيرة، وحجم الخسائر التي ستلحق بالدولة في تلك المرحلة التي ستنحصر فيها قدرتها على إعادة التصدير الى هذه الدول بمرفأ واحد بدلاً من توزع على مرفأين.

لكل هذه الإعتبارات، كان الإعتراض الواسع على المشروع داخل لجنة الأشغال والطاقة ومن هنا جاءت التوصية للحكومة بوقف الأعمال فوراً، وبسبب هذا الإعتراض الواسع حلّ الأمر على طاولة مجلس الوزراء.