ما لم يكن ممكناً على مدى سنوات طويلة في ​مدينة الشويفات​، بسبب التدخلات السياسية والحزبية، أصبح أمراً واقعاً بفضل قرار "شجاع"، دفع بالكثير من المعنيين إلى البناء عليه، من أجل الإنطلاق في حملة واسعة لإزالة التعديات على الأملاك العامة، لكن الأمر يثير علامات استفهام في بعض الأوساط، نظراً إلى أن تداعيات هذه الخطوة قد تكون خطيرة.

انها "أسطورة" الكوستا برافا، تشبه إلى حدّ بعيد "أسطورة" سجن رومية، التي لم يجرؤ أحد على كشف تفاصيلها حتى اليوم، فبعد ما يقارب العشرين عاماً على غضّ النظر عن مخالفات، تتضمّن الترويج للدعارة والمخدرات بالحد الأدنى، كانت ليلة الثلاثاء، في 23 من كانون الأول 2014، بداية النهاية، من خلال قيام فصيلة درك الشويفات، بقيادة النقيب جاد الحاج، بحملة "تنظيف" على الخط البحري، الذي يعرف بهذا الإسم، كانت مفاجئة لأبناء المنطقة، الذين يدركون جيداً ما كان يحصل على إمتداد الأوتوستراد من الأوزاعي إلى خلدة.

تؤكد مصادر محلية، لـ"النشرة"، أن التغطية السياسية والحزبية هي التي كانت تمنع في السابق أخذ هذا القرار، لكن الواقع اليوم تبدّل حيث يلمس الكثير من المعنيين تبدلاً في التعاطي الأمني مع المدينة، التي يُعَدّ نطاقها الجغرافي أكبر من بلدية بيروت، وتشير إلى أنّ ما حصل في منطقة "الكوستا برافا" لم يكن متوقعاً على الإطلاق في أيّ لحظة، وترجح أن تكون العملية الأمنية حصلت من دون أي تنسيق مع القوى الفاعلة، حيث ترى أن ذلك كان ليحول دون تنفيذها.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ جميع أبناء المنطقة وجوارها كانوا يدركون حجم المخالفات التي تحصل، لكن "الحمايات" كانت تمنع قمعها على مدى سنوات طويلة، وتشدد على أنّ هذا الأمر إنعكس بشكل إيجابي، خصوصاً أنّ معظم العائلات إعتبرت أنّ القضاء على هذه "البؤرة" يحمي أبناءها من العصابات التي كانت تستغلهم.

وتكشف المصادر المحلية أن هذه الخطوة المهمة وضعت القوى السياسية الفاعلة في المنطقة أمام مسؤولياتها، حيث عمدت إلى عقد لقاء سريع في مبنى البلدية، قررت بموجبه الإنطلاق في حملة واسعة من أجل إزالة التعديات على الأملاك العامة المنتشرة بشكل كثيف، لكنها تستغرب قيامها بهذه الخطوة بعد أن كانت تؤمن لها "الغطاء"، وتسأل: "هل هي فعلاً أدركت خطورة ما يحصل في الأكشاك والبسطات المخالفة، أم أن ما حصل في "البؤرة" الأخطر أحرجها؟" وترجح أن يكون السبب الثاني هو الأقرب إلى الحقيقة، لا سيما أنها لمست جدية من قبل القوى الأمنية في إنهاء هذه المظاهر.

بعيداً عن الأسباب والخلفيات، من المقرر أن تبدأ بلدية الشويفات، في السابع عشر من الشهر الحالي، بحملة واسعة من أجل إزالة المخالفات، ستنطلق أولاً بتلك الممتدة على طريق صيدا القديمة، بدءاً من جسر كفرشيما وصولاً إلى جسر الدوحة، بالإضافة إلى الطريق البحري إمتداداً من أوتوستراد الأوزاعي-خلدة وصولاً إلى دوحة الحص، وفي العشرين من الحالي ستقوم بالأمر نفسه على إمتداد طريق التيرو وخط العشرين، أما في الرابع والعشرين فسيكون الموعد على إمتداد طريق عام دوحة الشويفات-عرمون، وطريق عام الشويفات بشامون.

وتكشف مصادر متابعة، لـ"النشرة"، أن أغلب البسطات والأكشاك غير مرخصة، وبالتالي هي مخالفة للقوانين، وتعتبر تعديات على الأملاك العامة، وتشير إلى أن قوة عسكرية وأمنية مؤلفة مما يقارب 400 عنصر، من جيش وقوى أمن داخلي، ستكون حاضرة لتنفيذ المهمة.

وعلى الرغم من الإعتراضات التي يعبّر عنها أصحاب هذه البسطات والأكشاك، تؤكد هذه المصادر أن القرار نهائي بتوافق أغلب القوى السياسية، حيث كان الإجتماع الأخير، الذي عقد في مبنى البلدية، بحضور ممثلين عن أحزاب: "الشيوعي"، "السوري القومي الإجتماعي"، تيار "المستقبل"، "حزب الله"، حركة "أمل"، "التقدمي الإشتراكي"، "الديمقراطي اللبناني"، بالإضافة إلى ممثلين عن الأجهزة الأمنية، وبالتالي سيكون الجميع أمام مسؤولياتهم لمنع حصول أي تداعيات.

من جانبه، لا ينفي رئيس بلدية الشويفات ​ملحم السوقي​، في حديث لـ"النشرة"، صحة المعلومات عن أن الغطاء السياسي هو الذي كان يمنع إزالة المخالفات في السابق، لكنه يشدد على أن القرار الحالي جدي، ويوضح أن الخطة ستبدأ في الخامس عشر من الحالي، من خلال قيام بعض أصحاب البسطات والأكشاك بازالتها بـ"التراضي"، أما الذين سيصرون على المخالفة ستتعامل معهم القوى الأمنية في السابع عشر، ويكشف أن البعض أبدى إستعداده لإزالة مخالفته بنفسه.

ويشير السوقي إلى أن هذه الظاهرة باتت مسيئة إلى المدينة وأهلها، ولا أحد إلا ويتكلم معه من أجل وضع حد لها، ويعتبر أن الفرصة متاحة اليوم، خصوصاً أن أغلب القوى السياسية أبدت تعاونها من خلال رفعها الغطاء عن الجميع، ويوضح أن ليس هناك من خطة لتنظيمها في الوقت الحالي، إلا أنه يرى أن إمكانية ذلك قد تكون متاحة في المستقبل.

من ناحية أخرى، لا يتوقع رئيس بلدية الشويفات حصول أيّ تداعيات لهذه الخطوة على الأرض، خلال قمع المخالفات التي يرفض أصحابها إزالتها، لكنه يوضح أن القوى الأمنية ستكون حاضرة لمنع حصول أي تطور قد لا يكون في الحسبان.

في المحصلة، تعكس هذه الخطوة، على الرغم من أهميتها، حقيقة "مُرّة"، فالتعديات لا تحصل أغلب الأحيان إلا بغطاء سياسي من قبل القوى الفاعلة، وتطبيق القانون يحتاج إلى قرارات "شجاعة" من قبل المؤسسات الأمنية، وبعدها ستجد الجميع يقف إلى جانبها ولو "محرجاً".

* توضيح: المقصود بـ"منطقة الكوستا برافا" هو الخط البحري، الذي يُعرَف بهذا الاسم، على إمتداد الأوتوستراد من الأوزاعي إلى خلدة.

تصوير فوتوغرافي محمد سلمان