بعد نحو أسبوع على العملية الارهابية التي تعرّضت لها فرنسا واستهدفت مكاتب صحيفة "​شارلي ايبدو​"، كان لا بدّ لرئيس الوزراء البريطاني ​ديفيد كاميرون​ من التوجّه إلى البيت الأبيض للقاء "صديقه" الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ ويبحث معه الوضع.

أوباما لم يضيّع الكثير من الوقت ليظهر على صورة أستاذ المدرسة الذي يلقن تلميذته (أي أوروبا) دروساً في مادة الاسلام، كونه اعتبر أنّ التلميذة في وضع حرج ويجب أن يساعدها في هذه المعضلة. فمن أين اكتسب أوباما تحصيله العلمي في هذه المادة؟ وما الغاية من تلقين أوروبا هذه الحصّة المميزة؟

بداية، يجب الاعتراف بأنّ أوباما تعاطى مع الاسلاميين الأميركيين بطريقةٍ أفضل بكثير من تعاطي سلفه جورج بوش الابن معهم. فبعد اعتداءات 11 أيلول 2001، تعرّض المسلمون في أميركا لشتى أنواع التمييز والاتهام وكادوا أن ينبذوا من المجتمع الأميركي. أما في عهد أوباما، فقد كان التعاطي أفضل، حتى أنّ البعض "نبش" أصول أوباما (والده من أسرةٍ كينية مسلمة) ليصبح اسمه باراك حسين أوباما، ليبرر إعادة وصل ما انقطع مع المسلمين.

كما أنّ الرئيس الأميركي الحالي لم يخلف بوعده الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية، وتوجه في أشهر رئاسته الأولى إلى مصر وتحديداً إلى جامعة القاهرة حيث أطلق خطابه الشهير(1)الذي دعا فيه إلى التقارب بين المسلمين وأميركا وفتح صفحة جديدة بينهما.

ليس هذا الأمر كافياً ليحصل أوباما على شهادة تمكنه من تعليم "الاسلام"، لكنه كاف بالنسبة إلى أوروبا لسبر أغوار أسس تحسين العلاقة مع الاسلام بعد التطورات الاخيرة. قد لا يمثل ديفيد كاميرون كلّ أوروبا، لكنّ المشكلة التي تعيشها أوروبا حالياً مع المسلمين لا تنحصر ببلدٍ أو منطقة، وبريطانيا دولة كغيرها من دول أوروبا تواجه مشكلة في أسلوب التعاطي مع المسلمين.

نصيحة أوباما كانت: "على أوروبا أن تبذل المزيد من الجهد لدمج المسلمين وعدم التعامل معهم عبر "المطرقة" والأمن"، أي بمعنى آخر عبر العنف. وأشار أوباما إلى أنّ الأفضلية في أميركا هي لكون المسلمين يشعرون أنّهم أميركيون، على عكس ما يشعر به المسلمون في العديد من اجزاء اوروبا.

نصيحة أوباما في محلّها، وهي كانت وصلت أيضاً إلى الرئيس الفرنسي ​فرنسوا هولاند​ الذي أعلن أنّ "المسلمين أول ضحايا التطرف". ويمكن لأوباما أن يفيد أوروبا أيضاً في طريقة تعاطيه أخيراً مع دول اسلامية بالتشدد حيناً ومدّ اليد احياناً، على غرار مواقفه الاخيرة من السعودية وتركيا وايران... حيث تشدّد مع الأولى ولا يزال "يتودّد" للثانية(2).

بعد سلسلة الهجمات الارهابية في أكثر من بلد، وما كشفته الاجهزة الامنية في العديد من بلدان أوروبا، أدركت "القارة العجوز" أنّه يجب "تجديد" النظرة وطريقة التعاطي مع الاسلاميين في أوروبا، والتمييز بين المتطرفين منهم (وهم مشروع إرهابيين)، وغير المتطرفين (وهم مواطنون عاديون كغيرهم في الدولة التي يعيشون فيها).

أيقنت أوروبا أنّ هناك تغيّرًا ما أو خللاً ما يتغلغل منه أصحاب الأفكار المتطرفة والمجرمة إلى عقول بعض المسلمين في أوروبا، فيترك هؤلاء كلّ شيء ليتبعوا فكراً إرهابياً مضللاً. ولم يأتِ كلام هولاند وزيارة كاميرون من العدم، بل تزامن مع تحرك بارز للمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل شاركت خلاله في تظاهرة مناهضة لـ"الاسلاموفوبيا".

باختصار، حدّد أوباما لأوروبا العناوين العريضة لتعاطيها مع الاسلاميين، وتحرّك الاوروبيون على هذا الأساس، في محاولة لاستيعاب الأمور وتفادي الأسوأ. ولكنّ السؤال يبقى: أليست أميركا هي من سمح بتنامي المنظمات الارهابية من "القاعدة" (في أفغانستان التي كانت تقاوم الاتحاد السوفياتي)، إلى "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات الارهابية (في سوريا والعراق لاضعاف الرئيس السوري بشار الاسد، وتحذير العراق من أنّ مغادرة الجنود الاميركيين سيجعله عرضة للاعمال الارهابية ولقوة الجماعات القاتلة)؟

وإذا وقعت أميركا في الخطأ نفسه الذي كانت وقعت فيه في افغانستان، حيث اعتبرت أنّها "صدّرت" المتشددين إليها، ألا يجب على أوروبا أن تتعظ وتدرك أنّ "تصديرها" للمتشددين لن يريحها من أعمالهم سوى لفترة قصيرة، وسيعودون بكامل تجهيزهم ليعيثوا الفوضى وعدم الاستقرار في البلدان المجاورة.

(1)بتاريخ 4/6/2009، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً في جامعة القاهرة وسُمّي "بداية جديدة" وكان بمثابة رسالة طمأنة إلى المسلمين.

(2)هدّد أوباما باستخدام الفيتو ضدّ أيّ عقوبات قد يفرضها الكونغرس على إيران، معتبراً أنّ من شأنها التأثير سلباً على المفاوضات النووية مع طهران.