القرار المصري باتجاه كتائب «القسام» فيه كثير من التساؤلات والملاحظات، وفيه كثير من الدهشة والاستغراب، والسؤال الأول الذي يمكن أن يُطرح في هذا السياق، هو: هل جاء موقف السلطات المصرية نتيجة موقف «حماس الأيديولوجي» الذي يجعلها محسوبة على «الإخوان المسلمين»، وبالتالي «القسام»؟ إذا كانت الأمور كذلك لماذا لم يكن الموقف ذاته من «الجهاد الإسلامي»، خصوصاً أنّنا ندرك أنّ «حركة الجهاد الإسلامي» لا تبتعد كثيراً «أيديولوجيا» عن «حماس».

علينا هنا أن نتذكّر الشيء ذاته في سورية، وما حصل منذ مطلع العدوان عليها، حيث انخرطت قيادة «حماس» في هذا العدوان، وذهبت بعيداً في انحيازها المطلق للاصطفاف الذي تشكّل ضدّ سورية، في حين أنّ «الجهاد الإسلامي» لم تذهب بهذا الاتجاه، مثلما هي باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى أيضاً.

هناك مشترك بين ما حصل في سورية وما يحصل في مصر، وهو أنّ «حماس» تورّطت في الساحتين، ولا نعتقد أنّ ما تمّت الإشارة إليه لجهة هذا التورّط كان من قبيل التهمة السياسية، أبداً، وإنما هناك معطيات كانت هامة وواضحة، حتى وصل الأمر بقيادات «حماس» إلى الإعلان عن هذا الموقف وانزياحها المطلق لما سُمّي «بالثورة السورية»، حيث كانت رئيسية في الحلف الصاعد الذي شكّلته «تركيا وقطر والسعودية»، وقدمت عناوين هامة لجهة هذا الاصطفاف، في الآن الذي غادرت فيه مواقع سابقة لها.

وجاء العدوان الأخير على غزّة كي تبدو «حماس» في مكان آخر، من خلال ضلعها العسكري ونعني به هنا «كتائب القسام»، هذه الكتائب التي أدّت أداء فريداً ومتميّزاً في مواجهة هذا العدوان وصدّه، وكنا قد أشرنا في لحظتها إلى أنّ هناك هوّة وفارقاً بين ما تقوم به «حماس» من خلال قياداتها في الخارج وبين ما تقوم به «حماس» من خلال ضلعها العسكري أيّ «كتائب القسام»، وأشرنا في حينه إلى أنّ هناك عملاً لحلف المقاومة كان يقوم ويؤدّى من وراء «حماس» قيادات الخارج، وكان هذا الحلف قد أبقى على تواصل محدّد وواضح مع «حماس الداخل»، وهو الأمر الذي أبقى على قدرة حماس وكفاءتها في مواجهة العدوان وصدّه، لهذا بدا واضحاً أنّ في المشهد «الحمساوي» أكثر من «حماس»!

نعم كان هناك أكثر من «حماس»، «حماس» التي وقفت في وجه العدوان إلى جانب فصائل الداخل الفلسطيني المقاتلة، و«حماس» التي ذهبت بعيداً في مناكفات وصلت إلى الانزلاق في إحداث سجال مع «حزب الله»، من خلال تصريحات وصلت إلى نائب رئيس المكتب السياسي فيها، وهذا ما رسّخ مقولة الانزياح في المشهد «الحمساوي»!

القرار المصري الأخير يجيء في هذا الاتجاه الذي يؤكد ما كنّا نشير له، إذ أنّه لا يمكن أن نتهم السلطات المصرية بأنّها بنت قرارها هذا على فراغ، وإلا لماذا لم تسجل الموقف ذاته من باقي الفصائل، وعلى رأسها «الجهاد الإسلامي»، والتي تعتبر أكثر «سلفية» من «حماس» ذاتها؟

نعتقد بأنّنا بحاجة إلى فهم الحاصل جيداً، وبحاجة ماسة لتفكيك شيفرة «المعلومات» التي تمتلكها القيادة المصرية عن «حماس» وتحديداً هذه المرة عن «كتائب القسام»، إذ إنّنا لا نعتقد أنّ مَن أدار معركة غزّة الأخيرة يمكن له أن يفكر ولو للحظات بأن ينخرط في مشروع عدوان على الجيش المصري، ولا نعتقد أنّ هذا من ضمن حسابات «كتائب القسام»، لهذا نحن بحاجة ماسة إلى معرفة دقيقة حول ما يحصل، ولربط المعلومات حول صراعات داخلية تعيشها «حماس»، هذه الصراعات التي لم يتمّ تظهيرها أو استغلالها علانية!

نعتقد أنّ هناك صراعاً على «حماس» أدّى إلى صعود «صراعات» كبيرة في «حماس»، ولصالح مشغلي هذه الصراعات الإبقاء عليها غير معلنة، ونعتقد أيضاً أنّ هناك أكثر من «حماس» الآن، وأكثر من قيادة في «حماس»، وهي البيئة التي تشكّلت نتيجة دخول جهات استخباراتية عليها في مطارح مفصلية وقاتلة فيها، وهو مشروع أمني صرف للتخلص منها، نعني «حماس» ومشروعها الذي أعدّت من أجله، وهو ذاته الذي يفسّر التناقضات الواسعة والكبيرة التي تبدو من حين إلى آخر في سياق بعض المواقف «الحمساوية» المعلنة أو غير المعلنة التي تطلق من هذه العاصمة أو تلك العاصمة!

المال القطري أفسد «حماس» تماماً على مستوى قيادات الخارج، وهو يتسلّل إلى قيادات الداخل، ونعتقد أنّ مواجهات كبيرة تحصل بهذا المستوى بين استخبارات تريد أن تأخذ «حماس» إلى غير مكانها وبين استخبارات أخرى تريد أن تبقي على «حماس» في موقعها الذي يجب أن تكون فيه، وهنا بالتحديد يتداخل المصري مع الفلسطيني لجهة دور تمارسه «حماس» في مشروع العدوان على الجيش المصري.

لدينا بعض المعطيات في هذا السياق، تقول بأنّ هناك «استخبارات قطرية وإسرائيلية» تحاول سحب «حماس» باتجاه عناوين تساهم في تفكيكها وشرذمتها، لهذا كان لا بدّ من استعمال أطراف أو تشكيلات منها في التركيبة الحاصلة على أطراف سيناء، ولا بدّ من زجّ «بنى» محمولة عليها تساعد في تلويث الموقف «الحمساوي»، تماماً مثلما حصل في سورية، حيث أنّ «كتائب القسام» لم تنخرط في القتال إلى جانب المجموعات المسلحة في سورية، غير أنّ هناك «بنى» محمولة عليها في الجغرافيا السورية هي التي كانت جزءاً هاماً من هذه المجموعات.

سؤالنا الكبير في ظلّ هذا المشهد الصاعد، هل نجحت «الاستخبارات القطرية والإسرائيلية» في تفكيك «حماس» وتلويثها، حين حاولت «حماس» أن تقوم بفعل استدارة باتجاه أن تكون إلى جانب الحلف الذي غادرته منذ أربع من السنوات، وهل كان ثقيلاً ومؤثراً المنجز العسكري «الحمساوي» الأخير على قيادات «حماس الخارج» كي تعمل مع مشغلات استخباراتية على الإساءة له، وهل تصرّ «الاستخبارات القطرية» كما «المال القطري» على استعمال «حماس» في وجه الدولة المصرية، إنها أسئلة لا نحتاج كثيراً للإجابة عليها!