لا يبدو أنّ تداعيات الإنتصار العسكري، الذي حققته قوات حماية الشعب الكردي، في مدينة كوباني السورية ستكون محدودة، فهي جاءت نتيجة تعاون وثيق مع قوى غربيّة، كانت حتى وقت قصير تفضل عدم الإعلان عن أي تواصل مع الأحزاب الكردية الفاعلة، لا سيما حزبي "العمال الكردستاني" و"الإتحاد الديمقراطي"، نظراً إلى "الفيتوات" التي تضعها تركيا على مثل هذا الأمر، لكن على ما يبدو تبدلت المعطيات حالياً، ويعرب بعض المراقبين عن مخاوفهم من أن يكون الدور الفاعل، الذي تقوم به القوات البرية الكردية، مقدمة لتحقيق مشروع التقسيم الغربي، خصوصاً أن هناك نقاط تلاق في المصالح.

لم تنتظر الولايات المتحدة، نجاح ​الأكراد​ في صد هجوم "داعش" على عين عرب، من أجل الإعلان عن إتصالات تقوم بها مع بعض الفصائل الكردية، لا سيما حزب "الإتحاد الديمقراطي"، وهو الذراع السوري لحزب "العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب الدولي في الولايات المتحدة وتركيا، حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جنيفر ساكي، عن ذلك في الشهر الثامن من العام الماضي، الأمر الذي ترك إنطباعات إيجابية في الجانب الكردي، لا سيما أن الإتصالات كانت قائمة قبل ذلك الوقت عبر وسطاء، كما تكشف مصادر مطلعة لـ"النشرة".

وتلاحظ هذه المصادر تغييراً واضحاً في التعامل مع الأكراد، من جانب القوى الغربية، حيث ترى أنها بحاجة إلى القوات الكردية في حربها على الإرهاب، خصوصاً في ظل غياب قوة برية حليفة يمكنها الإعتماد عليها، في حين أن الأكراد كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة، على أمل أن يقبضوا ثمن هذه التضحيات في الجانب السياسي، في ظل الهجمة الإرهابية العنيفة التي كانت تشن على مناطقهم.

وتكشف هذه المصادر أنه باستثناء الموقف الألماني، الذي لا يزال متردداً بعض الشيء، هناك إنفتاح غربي كبير على التعاون مع الأكراد، وهو الأمر الذي تجزم أنه يحصل من دون رضا الجانب التركي، الذي عبّر أكثر من مرة عن إنزعاجه، ما يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول دوره، لا سيما أنه على ما يبدو يفضل وجود "داعش" على حدوده أكثر من وجود الأكراد.

وبعد التطورات التي حصلت مؤخراً، بدأ الحديث بشكل فعلي عن الثمن الذي يريده أو يطمح الأكراد إلى الحصول عليه، خصوصاً أن لدى هؤلاء "أحلام" تاريخية لم تلق الصدى المطلوب من قبل الأنظمة القائمة، وهم قد يرون أن الفرصة مناسبة في ظل الفوضى التي تعصف بالمنطقة، الأمر الذي سلط الضوء عليه موقف رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان البرزاني الأخير، حين دعا إلى إيجاد صيغة لكيفية "العيش معا داخل حدود ما يسمى العراق"، ما ذكر بالطروحات الإنفصالية لدى الأكراد، والتي تصل إلى حد المطالبة بالإستقلال من خلال السعي إلى إنشاء وطن قومي.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، من الطبيعي أن تكون هناك وعود قطعت للأكراد، لكن الكشف عنها ليس بالأمر السهل، لا سيما أن أضرار ذلك ستكون كبيرة، وهو ما يتأكد من خلال إصرار مصادر مطلعة في حزب "الإتحاد الديمقراطي" على التشديد على أن المهم بالنسبة إليها اليوم إعادة إعمار كوباني التي دمرت بنسبة كبيرة، وتأمين عودة المدنيين، ومن ثم تعزيز الجبهات العسكرية.

وترفض هذه المصادر تأكيد أو نفي المعلومات عن وعود قطعت، لكنها تعرب لـ"النشرة" عن سعادتها من تعزيز التعاون مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وتشير إلى الحديث العلني عن دور "حزب العمال الكردستاني" في محاربة التنظيمات الإرهابية، سواء كان ذلك في العراق أو سوريا، وتفترض أن ذلك سيكون له نتائج سياسية، إلا إذا نجحت تركيا من جديد في عرقلة هذا الأمر.

على صعيد متصل، تؤكد هذه المصادر أن ليس هناك من نية لرفع سقف المطالب بعد الإنتصار العسكري في سوريا، وتلفت إلى الإدارة الذاتية التي تشارك فيها كل المكونات، وتشير إلى أن ما تريده في المستقبل هو الديمقراطية والعلمانية والإعتراف بالقضية الكردية، لكنها تكشف عن لقاءات ستعقدها المرجعيات، في وقت قريب، من أجل البحث في هذا الملف، وتضيف: "هذه المرجعيات ربما تذهب إلى حد المطالبة بالفدرالية"، لكن المهم بالنسبة إلى الحزب هو أن يكون للأكراد دور في تحديد شكل نظام الحكم.

وفي حين تؤكد مصادر "الإتحاد الديمقراطي" أن الإنتصار في كوباني يصب في خانة كل دول المنطقة، تشدد على أن كل الأحزاب الكردية هدفها الأول والأخير حالياً هو محاربة الإرهاب، وتلفت إلى أنه في هذه المعركة كانت هناك مشاركات فردية من قبل أكراد إيران وتركيا ورسمية من قبل قوات البشمركة، إلا أنها تتحدث بغموض نسبي عن إحتمال تطور هذا التعاون بين الأكراد في أكثر من دولة نحو المطالبة بالإنفصال عن دول المنطقة وتشكيل وطني قومي خاص, مع العلم أنها تشدد على أن هذا حلم موجود في قلب كل كردي، لكنها تؤكد سعيها إلى البحث عن حل سياسي للأزمة السورية بشكل عام.

بالعودة إلى المصادر المطلعة، الواقعية، من وجهة نظرها، تفرض على الأكراد السعي إلى البحث عن حلول داخل الحدود المعترف بها منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية، بموجب إتفاقية سايكس بيكو، بحيث يكون للأكراد داخل كل دولة يتواجدون فيها دور فاعل.

في المحصلة، هذه قضية طارئة ستطرح على بساط البحث في وقت قريب، وستكون لها تداعيات كبيرة، لا سيما إذا ما كانت مقدمة لبروز دولة جديدة على أسس مذهبية أو عرقية.