الإسرائيليون أرادوا الانتقام والثأر من المسؤول العسكري في "حزب الله" ​عماد مغنية​، أما الأميركيون فلم يكترثوا كثيراً للتداعيات ما دام مغنية سيُقتَل وأنّ "حزب الله" سيتّهم الإسرائيليين..

لا يندرج هذا الكلام في إطار "التحليل" لـ"القنبلة" التي فجّرتها صحيفة "واشنطن بوست"(1)نهاية الأسبوع الماضي، بل هو ما نسبته الصحيفة "حرفيًا" لمسؤولين أميركيين أقرّوا بشكلٍ لا لبس فيه بدور ​الاستخبارات الأميركية​ في اغتيال مغنية، إقرارٌ مرّ بطبيعة الحال مرور الكرام في دولة السيادة والحرية والاستقلال، دولة القانون والمؤسسات.

اعتراف غير بريء..

في التحليل، يمكن أن يُقال الكثير عن "خلفيات" الاعتراف الأميركي وحيثياته، وعن "الرسائل" التي يحملها في طيّاته، باعتبار أنّ كشف النقاب عن هذا الدور بعد مرور نحو سبع سنوات على الاغتيال، وبالتزامن مع التطورات المستجدة على خط الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل بُعيد العملية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية في القنيطرة(2)، والتي استهدفت ستة من كوادر الحزب بينهم نجل مغنية نفسه، لا يمكن أن يكون "بريئًا" بأيّ شكلٍ من الأشكال.

وفي هذا السياق، ترى مصادر مطلعة أنّ الرسالة الأولى الكامنة خلف هذا الاعتراف موجّهة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو نفسه، ومفادها أنّ التوتر بالعلاقات بين أميركا وإسرائيل سيضرّ بالتعاون الذي لطالما كان قائمًا بينهما، خصوصًا في ضوء قرارات نتانياهو الأحادية ومحاولته القفز على الإدارة الأميركية ممثلة بالرئيس باراك أوباما. وتشير المصادر إلى أنّ واشنطن حرصت من خلال ذلك على إظهار واحدٍ من أهمّ "إنجازات" هذا التعاون، لعلّ ذلك كافٍ للدلالة على "عواقب" التفريط به.

وإذا كانت رسالة "العتاب" بين "الحليفين اللدودين" هي الأساسية من وراء هذا "التسريب"، خصوصًا في ضوء "الحساسية" التي أحدثها انخراط واشنطن بل قيادتها للمفاوضات النووية مع إيران، وهو الأمر الذي لم تحبّذه القيادة الإسرائيلية بتاتاً، فإنّ ذلك لم يُخفِ وجود رسائل أخرى من وراء الاعتراف "الصادم"، كما ترى المصادر، ومنها التأكيد الأميركي على أنّ إسرائيل لم ولن تكون متروكة، ولعلّ توقيت "الاعتراف" بعد عملية مزارع شبعا التي أعلن فيها "حزب الله" تغييره لقواعد الاشتباك يخدم هذا الغرض على وجه التحديد.

"حزب الله" لم يتفاجَأ!

برأي المصادر المطلعة نفسها، فإنّ "حزب الله" لم يتفاجأ بالاعتراف الأميركي، فهو لم يفصل يومًا صراعه مع إسرائيل عن صراعه مع الولايات المتحدة، التي يعتبرها "أساس البلاء"، على حدّ التعبير، وهو الذي يتوانَ عن رفع شعار "الموت لأميركا" إلى جانب "الموت لإسرائيل"، حتى في عزّ ما سُمّي بـ"شهر العسل" بين واشنطن وطهران، ولم يتردّد في رفض التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب فقط لأنّ أميركا تقوده، في وقتٍ كانت سوريا نفسها متحمّسة له، يوم كانت تتحدّث عن "تنسيقٍ" يجري معها بخصوص الغارات على "داعش".

وتذكّر المصادر بما سبق أن أعلنه "حزب الله" مرارًا وتكرارًا عن الدور الذي تلعبه الإدارة الأميركية لتحقيق الأجندة الإسرائيلية، وهي التي لطالما قدّمت "التغطية المجانية" لكلّ الحروب والمجازر الإسرائيلية في المنطقة، وكانت دائمًا تتسلح بسلاح ما يسمّى "الفيتو" لمنع مجرّد "إدانة" إسرائيل. وتشدّد المصادر على أنّ كلام الحزب لم يُحصَر بـ"النظريات"، وتحيل المتابعين في هذا الصدد إلى ما أثاره الحزب أكثر من مرّة عن تجنيد الاستخبارات الأميركية لـ"عملاء" في صفوف الحزب(3)، وهو ما يؤشر إلى أنّ التنسيق الأميركي الإسرائيلي ليس بجديدٍ على الإطلاق بالنسبة للحزب.

ماذا عن التداعيات؟

"حزب الله" لا يفصل إذًا بين ما يسمّيه "الجناحين" الأميركي والإسرائيلي للمشروع نفسه، تمامًا كما أنه يرفض الفصل بين ما "يبتدعه" البعض من جناحين عسكري وسياسي فيه. ولكنّ هذا "الفصل" كان يصرّ عليه الكثيرون في الداخل اللبناني، ولا سيما في قوى الرابع عشر من آذار التي ترفض مصادرها الحديث عن "تداعياتٍ محتملة" للإقرار الأميركي المباشر بالتورط باغتيال مغنية، باعتباره "كلام صحف" لا أكثر ولا أقلّ، وبالتالي فهو لن يقدّم ولن يؤخر شيئًا في المعادلة، مذكرة بأنّ الولايات المتحدة ليست "عدوة" للبنان، وهي التي قدّمت له دعمًا معنويًا وماديًا في الكثير من المحطات.

هذا "التسخيف" للموضوع تستهجنه مصادر في قوى الثامن من آذار، من قبل من تسمّيهم بـ"مدّعي السيادة والاستقلال"، متسائلة كيف يمكن لهؤلاء أن يسكتوا عن تورّط دولةٍ "صديقة" في قتل مواطنٍ لبناني، أيًا كان هذا المواطن، ومهما كان دوره. وفيما تلفت المصادر إلى أنّ الاستخبارات الأميركية هي فاعلة على الساحة اللبنانية، بل إنّها تتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، وقد ظهرت "ثمرات" هذا التعاون في مرحلة التفجيرات الإرهابية التي ضربت لبنان، ترى أنّ الصمت الرسمي اللبناني على تقرير "واشنطن بوست" يبقى مريبًا، لافتة إلى أنه حتى لو صحّت الاتهامات الموجّهة لمغنية، ولو كان فعلاً من أخطر المطلوبين، فإنّ إصدار حكم الإعدام عليه من قبل الاستخبارات الأميركية ليس مقبولاً، إذا كان هناك احترام بالحدّ الأدنى للبنان كدولة ذات قانون ومؤسسات، "فكيف بالحريّ إذا كان هذا المواطن قد لعب دورًا أساسيًا في تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي وصنع الانتصار في تموز 2006؟!"

شيءٌ لن يتغيّر..

لا شكّ أنّ شيئاً لن يتغيّر قبل الاعتراف الأميركي وبعده، تمامًا كما أنّ شيئا لم يتغيّر في الداخل قبل الغارة الإسرائيلية وبعدها، وقبل عملية شبعا وبعدها، بل قبل حرب تموز وبعدها..

هكذا هم اللبنانيون، يبقى انقسامهم السياسي والطائفي هو محرّكهم الأول والأساس، وما الشعارات التي يرفعونها عن "سيادة" من جهة و"حرية" من جهة ثانية سوى جزءًا من "عدة الشغل" التي لا يلجأون إليها إلى متى كانت "تخدم" أجندتهم!

(1)نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً عن "ضلوع وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" والموساد الإسرائيلي في عمليّة اغتيال المسؤول في "حزب الله"، عماد مغنيّة، في شباط 2008 في دمشق. وبحسب الصحيفة الاميركية، فإنّ الـCIA رصدت مغنية أثناء خروجه من أحد المطاعم في دمشق، وحين توجّه إلى سيّارته، قام رجال الموساد، عن طريق جهاز التحكّم عن بُعد، بتفجير قنبلة كانت مركونة بجانب إحدى السيارات.

(2)في الثامن عشر من كانون الثاني 2015، وأثناء قيام مجموعة من مقاتلي "حزب الله" بتفقد ميداني لبلدة مزرعة الامل في منطقة القنيطرة السورية، تعرضت لقصف صاروخي من المروحيات الاسرائيلية مما ادى الى استشهاد ستة من كوادر الحزب، هم محمد عيسى، جهاد مغنية، عباس حجازي، محمد ابو الحسن، غازي ضاوي وعلي ابراهيم.

(3)في حزيران 2011، أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله إن جهاز مكافحة التجسس في الحزب تمكن من كشف ثلاثة عناصر في الحزب على علاقة مع أجهزة استخباراتية خارجية، اثنان منهم اعترفا بعلاقتهما المباشرة بضباط في السي آي إي يعملون في السفارة الأميركية في بيروت كدبلوماسيين. ووصف نصرالله السفارة الأميركية بأنها وكر للتجسس وأنها تعمل لخدمة إسرائيل، علمًا أنّ متحدّثاً باسم السفارة الأميركية نفى يومها اتهامات "حزب الله" للسفارة بتجنيد عملاء في صفوفه ووصفها بأنها فارغة ولا أساس لها من الصحة.