لا شك ان الذكرى العاشرة لاغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورفاقه تحل هذا العام في شكل مختلف عن الأعوام السابقة، لا في المعنى التنظيمي فحسب، إنما في المعاني السياسية التي اختلف العديد من مشاهدها بين ال2005 وال2015.

مرة جديدة، اختار المنظمون الانسحاب الطوعي من الساحة الى القاعة. لم تعد الحاجة في الظرف الراهن الى حشود ساحة الشهداء، بل الى حضور قاعة البيال. فلكل مرحلة اماكنها ومفرداتها وتعابيرها، وشخصياتها ونبرتها، لذلك، سيقتصر الاحتفال على كلمة واحدة لرئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، تشير المعلومات الى انها ستكون عبر الشاشة، على رغم تفاؤل بعض قياديي المستقبل بإمكان حضوره شخصياً، الامر الذي يأتي في سياق شدّ العصب لا اكثر.

لماذا الحريري وحده؟ تجيب أوساط مطّلعة: "ببساطة، لأن الامس غير اليوم من جهة، ولأن المهرجان السياسي متروك للرابع عشر من آذار من جهة ثانية".

هكذا اذاً، فضّل تيار المستقبل ان يخلي منبر المناسبة لرئيسه فقط. فالحوار الدائر مع حزب الله، بمظلّة إقليمية، لا يحتمل أي دعسة ناقصة، او تهوّر خطابي وجماهيري، بل يتطلّب كلاماً مسؤولاّ ومدوزناً، لا على قياس ما سبق، بل بحسب ما هو معوّل عليه في الأشهر المقبلة.

ينطلق تيار المستقبل من الواقعية السياسية القائلة بأن ما بعد حوار عين التينة ليس كما قبله. فقد جلس المتحاورون برعاية من رئيس المجلس النيابي وبركة جنبلاطية، وتشجيع إقليمي ودولي، لوصل ما انقطع بين حزبين وشارعين وطائفتين. وبالتالي، فإن احداً غير مستعد لزعزعة الحجر الأساس الذي وضع في هذا السياق، او اللعب على وتر اشعال فتيل التشنّج، خصوصاً ان الهدف الرئيس المعروف والمعلن هو "تنفيس الاحتقان".

من حيث الشكل، يشير المنظمون الى أن أن المشهدية هذه السنة ستضم نحو 6 آلاف كرسي. وبالاضافة الى كلمة الحريري السياسية، ستكون هناك ثلاث كلمات لِخرّيجين من مؤسسة الحريري يستذكرون فيها تجربتهم مع المؤسسة، وعرض افلام وثائقية عن حياة الحريري الاب وتجربته.

وفي السياق عينه، اختار المنظمون لهذا العام شعار "عشر مئة الف سنة مكملين"، معتبرين أنه ليس مجرد عنوان للذكرى، بل هو رسالة ارادوها معبّرة "عن جمهور رفيق الحريري الذي سيبقى وفياً له، والذي يؤكد ان رفيق الحريري الذي كان لكل الأجيال في حياته، سيبقى كذلك بعد مماته...ولو لعشر مئة الف سنة".

اما في المضمون، فلا يزال الفريق المحيط بالحريري يضع اللمسات الأخيرة على كلمته المكتوبة التي سيطل بها على حضور البيال ومن خلاله على اللبنانيين عبر الشاشة. ووفق المعلومات، فإن كلمة الحريري "ستتناول عناوين سبل حماية لبنان في الظروف المصيرية والدقيقة التي تمر بها المنطقة، والخطوات المطلوبة لمواجهة الارهاب وطرق العمل لتخفيف الاحتقان الداخلي وترسيخ دعائم الدولة".

ويشير المطّلعون من تيار المستقبل الى أن الحريري لن يطرح مبادرة لحل أزمة الانتخابات الرئاسية، في الكلمة التي سيلقيها نهاية الأسبوع، والسبب يكمن في عدم ظهور أي مؤشرات دولية على حلحلة ما في هذا السياق، ما سيجعله يقتصر في كلمته على تأكيد المؤكد، لجهة ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس وإنهاء حالة الفراغ الذي قارب يومه الثلاثمئة.

وسط هذه المعطيات، يبدو أن ساعة دعوة حزب الله الى ذكرى الحريري لم تأت بعد. يقول المطّلعون "إن الحوار الدائر مع الحزب، على رغم النيات الحسنة في استمراره والجدّية في الوصول الى نتائج إيجابية من خلاله، الاّ أنه لا يلغي ان هناك قراراً ظنياً صادراً عن المحكمة الخاصة بلبنان، يوجّه أصابع الاتهام الى عناصر من الحزب".

من جهة أخرى، هناك من يقول إن المشكلة الفعلية لتيار المستقبل في الفترة الأخيرة ليست مع حزب الله، بل داخل البيت السنّي، حيث فلت الشارع منه في الأشهر الأخيرة، على وقع الأزمة السورية المستمرة، وما نجم عنها من داعش واخواتها. حتى بدت كلمة "قائد محور" في طرابلس مسموعة أكثر من كلمة الحريري نفسه.

في الذكرى العاشرة للرابع عشر من شباط، يحاول الحريري استعادة ما فاته، لكن هذه الاستعادة لا تخلو من المطبات، ليست آخرها "صراع النفوذ" داخل تياره، من فؤاد السنيورة الى نهاد المشنوق واشرف ريفي وما حولهما، من دون تناسي "نتعات" النائب خالد الضاهر.