أكدت الطفلة الفلسطينية المحرّرة ​ملاك الخطيب​ (14 عاماً)، وهي أصغر أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال، اعتقلتها القوات الاسرائيلية في 31 كانون الأول الماضي، لدى عودتها من مدرستها في قرية "بيتين" قرب رام الله بالضفة الغربية المحتلة، أن جيش ​الاحتلال الاسرائيلي​ كان يعاملها داخل السجن كأنها قاتلة ولم يكن يتعامل معها بإنسانية وأخلاقية "كوني طفلة اعتقلوني دون تهمة"، مشيرة إلى أن معاناة الأسرى داخل سجون الاحتلال صعبة ولا يمكن وصفها.

وفي حديث خاص إلى مراسل "النشرة" في فلسطين، ​محمد فروانة​، اعتبرت الخطيب أنّ فرحة خروجها من سجون الاحتلال لن تكتمل إلا بخروج كافة الأسرى من السجون والمعتقلات الإسرائيلية، لافتة إلى أنّ وضع الأسرى والأسيرات الفلسطينيات خصوصاً في سجون الاحتلال صعب جداً، علمًا أنّ مصلحة السجون الإسرائيلية تتعامل معهم بعنف وإذلال.

لحظات الاعتقال والتحقيق والأسر

وعن تفاصيل لحظة اعتقالها قالت ملاك: "كُنت عائدة من مدرستي إلى البيت، حين أوقفني جنود الاحتلال واعتدوا عليّ بالضرب وهجموا عليّ وأوقعوني على الأرض، ثمّ وضعوا الكلبشات في يديّ وأغموا عينيّ ووضعوني في جيب عسكري ثم نقلوني إلى مركز تحقيق شرطة الاحتلال".

وأوضحت ملاك، وهي في الصف الثامن الإعدادي، من أسرة مكونة من أربع بنات وأربعة أولاد، أن التحقيق استمر معها لمدة ساعتين داخل غرفة، حيث اتهمها المحقق بإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال وهو ما نفته ملاك، التي أكّدت أنها كانت تحمل في يديها قلمًا وممحاة وهي عائدة من المدرسة، مشيرة إلى أن المحقق كان يريد منها أن تعترف بانتمائها لأحد التنظيمات الفلسطينية بنية الاعتداء على جنود الاحتلال لكنها نفت ذلك وقالت: "قلت لهم أنني فلسطينية، وأنا طفلة، أنتم من تعتدون علينا وقتلتم الطفل محمد أبو خضير وزياد أبو عين وغيرهم من الفلسطينيين، وتريدونني أن أقول لكم أنني أتبع لفصيل، أنا طفلة فلسطينية ولا أخافكم".

وأكدت أنّها كانت خلال التحقيق ثابتة وغير خائفة لدرجة أنها لم تبكِ، وقالت: "نحن فلسطينيات لا نهاب المحتل مهما عذبنا وقتلنا، لكن قلبي كان يعتصر ألماً داخل الأسر للحال الذي وجدته داخل السجن، إذ أنني لم أتخيل أن تكون كذلك، فالسجون لا تصلح للحياة الآدمية، ولا يوجد بها وسائل تدفئة، وحتى بطاطين، كما أنّ معاملة جنود الاحتلال كانت سيئة للغاية".

ولفتت الطفلة ملاك إلى أن المحقق الإسرائيلي أجبرها على التوقيع على ورقة باللغة العبرية لا تعرف مضمونها، إذ أخبرها أن هذه ورقة الإفراج وأن أهلها ينتظرونها بالخارج، مشيرة إلى أنهم بعد أن وقعت عليها وضعوها في غرفة لساعات، ثم حولوها إلى سجن "هشارون" الإسرائيلي، مضيفة: "وقعت على الورقة على أساس أنها ورقة الافراج، وتفائجات أنهم وضعوني في سجن وأصبحت معتقلة".

معاناة صعبة

وعن معاناتها داخل السجن، شدّدت الطفلة الخطيب على أن المعاناة صعبة للغاية، وأن وضع سجون الاحتلال سيء للغاية، إذ لا يوجد به تدفئة ولا ملابس شتوية أو غطاء، أو حتى أكل صحي.

وأضافت: "كنا ننام ونستيقظ على أصوات الأسرى وهم يتعرضون للضرب الشديد، ونسمع أصوات صراخهم وعذاباتهم، إذ أن جنود الاحتلال كانوا يضربونهم، ورأيت العذابات التي لم أرها في حياتي، وكنت أعتقد أن السجن عادي لكن كل الأمور تغيرت من وجهة نظري، فاسرائيل ليس لديها رحمة ولا أخلاقية ولا إنسانية، وهي دولة احتلال ظالمة".

وتابعت: "مكثت في الأسر شهرًا ونصف، كنت موجودة في غرفة مع ثلاث أسيرات، تقاسمت معهنّ الألم والأوقات الصعبة، واليوم أصبحت خارج الأسر وأتمنى لهنّ ولكافة الأسرى الافراج العاجل".

وأوضحت ملاك أنها طرزت داخل السجن، تطريزًا فلسطينيًا باللون الأبيض والأخضر وكتبت عليه :"لا إله إلا الله"، وعند الإفراج أخرجته معها إلا أن احدى المجندات الإسرائيليات حاولت أن تمنعها لكنها أصرت أن تأخذه معها ونجحت في ذلك.

معاملة بشعة

وأكدت الخطيب أنّ مصلحة السجون الاسرائيلية حوّلتها أثناء فترة اعتقالها إلى ست محاكم إسرائيلية، إذ أنهم كانوا يأخذونها من السجن إلى المحكمة في الساعة الثانية فجراً ويعيدونها الساعة الحادية عشر مساءً من نفس اليوم، وخلال هذه الفترة تتعرض للمعاملة البشعة والسيئة، وقالت: "كانوا يضعونني مع الكلاب في مركبة إسرائيلية مخصصة لنقل الأسرى من السجن إلى المحكمة، رائحتها كريهة جداً، ومعي بعض الأسرى الذين كانوا يضربونهم أمام عيني".

وقالت ملاك: "أكثر شيء أثر في نفسي معاملتهم البشعة، إذ أنهم كانوا يتعاملون معي وكأنني قاتلة جنود، ووجهوا لي تهمًا كلها باطلة، وفي المحكمة كانوا يسألونني لماذا كل هذا الاهتمام من قبل الإعلام بكِ؟ وكان المحامي يرد عليهم".

فرحة لم تكتمل

وأوضحت الطفلة المحررة أن ذكريات مدرستها، وزميلاتها وأهلها، لم تغب عنها داخل الأسر، إذ أنه ورغم الحالة المأسوية والشعور الصعب الذي انتابها، إلا أنها لم تنس منهم أحداً، وقالت: "كنت أتذكرهم كل صباح ومساء، فهم الجزء الأكبر من حياتي، شعرت بألمهم رغم ألمي الشديد لكنني أيقنت أن لحظة الافراج ستكون قريبة، لأن ظلم الاحتلال لن يدوم".

ولفتت ملاك إلى أنها شعرت بالفرحة لحظة الافراج عنها والاستقبال الكبير من قبل الأهالي ووسائل الإعلام، اضافة لحالة التضامن التي تجسدت معها في الضفة الغربية المحتلة وغزة والعالم. وتابعت: "شعرت بالفرحة لحظة الإفراج عني لكن فرحتي لم تكتمل لأنني تركت خلفي أسرى وأسيرات يعانون ويلات ومرارة السجن وظلم الاحتلال البغيض".

وأنهت الفلسطينية ملاك حديثها لـ"النشرة" بالقول: "رغم ذلك سننتصر على الاحتلال، والظلم لن يدوم، وسنبقى ندافع عن أرضنا وأطفالنا ونسائنا وشبابنا ورجالنا، مهما فعل فينا المحتل، فنحن الأقوى بصمودنا وإرادتنا ولن ينالوا من عزيمتنا".