رأى الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة ​بطرس غالي​، أن "السعودية تلعب دورا محوريا في المنطقة العربية، بفضل نهجها الوسطي الذي يعتمد علي التفاوض والحل السلمي للمشكلات والأزمات"، معتبرا أن "العنف والإرهاب الذي يُطوِّق المنطقة بمثابة شيء عارض، يستغرق ما بين سنتين إلي ثلاث سنوات علي أكثر تقدير قبل أن ينتهي للأبد"، متوقعا أن "تتحول "داعش" الى ظاهرة صوتية قريبا"، مشيرا إلى أن "الانقسام الداخلي بين السنة والشيعة أكثر خطورة من تبعات التدخل الأجنبي من أجل السيطرة على النفط، مرجعا ضعف أداء الجامعة العربية إلى الإرادة السياسية للدول العربية".

وعن توجهات السعودية نحو مصر، لفت غالي في حوار لصحيفة "المدينة" السعودية، الى أن "العلاقات بين مصر والسعودية كانت دائما طيبة ومتميزة علي مر العصور، ومواقف الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز المؤثرة في الموقف العربي والدولي بشأن تحقيق أمن مصر واستقرارها، تدل علي الاستمرار في العلاقة الطيبة بين البلدين"، مؤكداً أن "السياسة السعودية تتسم بالثبات والتعقل وانتهاج الوسطية والبحث عن حلول للأزمات وليس تصعيدها، وهي تلعب دائما دور الوسيط النزيه للحد من الأزمات وليس تصعيدها، ولم يحدث أي تغيير في السياسة السعودية بعد رحيل الملك عبدالله، لأن البلاد لها نهج ثابت التزم به أبناء الراحل الملك عبدالعزيز، وأتوقع دفعا للعلاقات إلي الأمام".

وعن مستقبل المنطقة، رأى غالي أن "حل مشكلات المنطقة واستقرارها يتطلب وقتا طويلا، فقد عشتُ تجارب مماثلة كأمين عام للأمم المتحدة ووزير خارجية لمصر وكان الاستقرار بعد المصالحة دائمًا يأخذ وقتًا، فلن نصل إلي الاستقرار في المنطقة قبل سنوات، ويجب ألا نظن أن الأزمات مختصة بالعالم العربي، فالعالم كله شهد أزمات، بل إن المنطقة العربية من أشد بقاع العالم استقرارا، بالعودة إلى التاريخ بقراءة دقيقة".

ولفت غالي الى أن "الإرهاب كان موجودا في أميركا اللاتينية بطريقة أكثر وضوحا من المرحلة التي تمر بها البلدان العربية، لكن لعدم اهتمامنا بها لم نعي وجودها، ما يعني أن خطر الإرهاب يهدد العالم كله، فمثلا الجاليات المسلمة في فرنسا تتأثر بما يحدث في الوطن العربي بسبب العولمة، والإرهاب الدولي يجب أن يحارب علي مستوي عالمي وبطريقة شاملة، وأنا ضد وصم الأديان بأنها منبع الإرهاب أو أن أي دين يفرخ الإرهاب، لأن رسالة السماء واحدة ومكونات الإرهاب موجودة في كل مجتمع والعالم كله عاني من شره".

واعتبر غالي أن "الأهم من البترول هو الدور الدبلوماسي والتفاوض والبحث عن الحل، فالبترول جزء فقط"، مشيراً الى أنه "اذا زاد الانقسام الداخلي بين الشيعة والسنة مثلا يكون ذلك أخطر من البترول، لذلك من الخطأ تصوير البترول علي أنه السلاح الأهم الآن، ربما يكون العالم مهتم فقط بالبترول ليس لحاجة الدول له ولكن لحاجة الصين، وأتصور أن بعض الفرق تسعى للسيطرة علي البترول لوقف وصوله إلي الصين".

ولفت غالي الى ان "داعش" ليست دولة داخل دولة، فالمكسيك وهندوارس مثلا مرتا بأحداث مماثلة لما يحدث الآن في الوطن العربي، و"داعش" مثل القاعدة تنظيم إرهابي وستتحول إلي ظاهرة صوتية غير مؤثرة قريبا، فمقومات الدولة أكبر من أن تتوافر في تنظيم إرهابي مثل "داعش".

ورأى غالي أن "الأمم المتحدة في حاجة إلي التجديد، فعندما تأسست في سان فرانسسكوا كان عدد أعضائها خمسين دولة، أما الآن فيتعدي المئتين، والانتقال الكبير الذي يوازيه تطور هائل في التكنولوجيا يحتاج إلى تطوير وتجديد، وقد كانت الدولة هي اللاعب الوحيد في السياسة العالمية قديما، لكن الآن أصبح هناك لاعبون جدد كالمنظمات والروابط غير الحكومية، ويجب أن تحتويها الأمم المتحدة، وقد ناديت مرارا بضرورة تطوير المنظمة الدولية وأن تشارك دول العالم الثالث في مجلس الأمن ويكون لها صوت".

واكد غالي أن "فكرة الهيمنة مستمرة، فهناك دول كبرى مهتمة بلعب ذلك الدور العالمي، وهناك أيضا دويلات تلعب دورا عالميا مثل كوبا، لذلك العبرة ليست بقوة الدولة أو ضعفها لكن بإرادة الحاكم الذي يلعب دورا في السياسة الدولية، وهناك ثلاثة حروب وقعت بين أقدم دول العالم "ألمانيا وفرنسا وانجلترا" ولولا وجود شخصيتين قويتين مثل شارل ديغول في فرنسا وكونراد ايدنهاور في ألمانيا، الذين قادا عملية التفاوض لما انتهت تلك الحرب، وكذلك المواجهة بين الأغلبية السوداء والأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا لم تكن لتنجح التسوية بينهما لولا وجود شخصية عظيمة مثل نلسون مانديلا ورئيس جنوب أفريقيا ديكليرك، فالعبرة ليست بقوة الدولة علي قدر ضرورة وجود إرادة سياسية تستطيع إيجاد الحل السلمي".

وأوضح غالي ان "التوقف عن الاعتقاد الخاطئ بأن الاضطرابات الموجودة في الوطن العربي هي الوحيدة التي تحدث في العالم، لأن هناك اضطرابات مماثلة في العديد من دول العالم حتي في أوروبا وأوكرانيا وغيرهما، ويجب أن نعيد قراءة العالم لمفهوم العولمة الجديد وليس بمفهوم القطرية أو الإقليمية".