سامي الجميل، نادر النقيب، رولان خوري، دانيال سبيرو، خضر غضبان، ريان الأشقر، عمر حرقوص، ايلي شمعون، بشير حداد... وسواهم من الاسماء الشبابية، ساهموا في صنع ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال.
اعتصموا 78 يوماً في ساحة الشهداء، عاشوا معاً في خيم، تقاسموا الهواجس بحلوها ومرّها، نظموا التحركات والتظاهرات والسلاسل البشرية، تضامنوا وتوحدوا تحت راية العلم اللبناني وشعارات تدعو الى الحرية والسيادة والاستقلال، حلموا بوطن على قدر طموحاتهم يسوده القانون والنظام وتفعيل عمل المؤسسات... 10 سنين على ذكرى 14 آذار 2005، أين هؤلاء الشباب الآن؟ كيف يتذكرون تلك المرحلة بالمقارنة مع اليوم؟ هل انكسر حلمهم؟!
منهم من بقي في العمل السياسي والحزبي، وثمة من انتقل الى النضال من أجل قضية أخرى. ومنهم من سافر الى الخارج للعمل... لكنهم آمنوا بأنهم هم من صنع تلك الفترة، "واعتقدنا اننا سنكون جميعنا القيادات الجديدة في البلد"، وفق رولان خوري، رئيس لجنة الشباب والشؤون الطالبية في "التيار الوطني الحر" آنذاك. خوري ما زال الآن في العمل الحزبي في التيار، "أناضل لنبني مؤسسة حزبية تشبهنا ومنها ننطلق لبناء بلد يشبهنا"، متمنياً "ان نكون، نحن الشباب، أقوى كل واحد في حزبه، اذ سنستطيع بالتأكيد البناء ايجاباً للوطن". في لحظة ما في ذلك الوقت، "شعرت بأني شي غيفارا، حلمنا وكان حلمنا كبيراً، وخصوصاً اننا كنا معتادين التحرّك على الأرض والتظاهر. كنا نتعامل مع بعضنا كشركاء في بناء لبنان الذي نريده، لكننا اليوم كل واحد منا في مكان ويناضل من جهة: أعتقد ان الثورة ما زالت موجودة في داخلنا، لكننا اصبحنا واقعيين أكثر للحسابات السياسية". تلك الفترة "خلقت لدينا روح الأخوّة علماً ان كل واحد منا اتى من منطقة، لكننا استيقظنا في نصف الحلم"، وفق خوري.
إلى الوسطية
الثورة كانت نصف ثورة والانتفاضة نصف انتفاضة، "ولم نحقق كل الشعارات التي رفعناها، وهذا ما أسمّيه انتكاسة وخطأ جسيماً"، مع ذلك لم يترك خضر غضبان (كان نائب الأمين العام لمنظمة الشباب التقدمي) العمل السياسي والحزبي، وهو يشغل الآن منصب عضو مجلس قيادة مع مجموعة من الشباب. يشدد غضبان على ان "طموحنا كشباب أن نبني بلداً حضارياً ودولة مؤسسات، وكنا نعتقد ان معركتنا ستكون طويلة لبناء البلد، لكن تبين ان التنوع في لبنان في حاجة الى ضابط في بلد متطور. للأسف التنوع انقلب الى عصبية ومتاريس وتجلى بالصدامات التي حصلت".
من 10 سنين الى الآن، المعطيات تغيّرت، والمشهدان الداخلي والاقليمي تغيّرا. فالوضع أصبح الآن متفجراً وغرق المشهد بالدم من اليمن الى العراق وسوريا، وأخذ منحى مذهبياً، وانعكس على الداخل. من موفعه الحزبي، يقول غضبان "أصبح سقف طموحنا ألا نقتل بعضنا، بعدما كان الهدف بناء دولة المؤسسات على كل الصعد. انتقلنا الى الوسطية لتحقيق توازن ما بين الاطراف المتنازعين، ولتخفيف حدّة الاحتقان وحماية السلم الأهلي وما تبقى من مؤسسات في البلد... لم يتم استكمال ما يسمّى انتفاضة الاستقلال، لم تكن كاملة، والا لكان من الممكن أن نكون غيّرنا المشهد كله".
"التزامي زاد"
من جهته، يفخر باتريك ريشا (رئيس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب اللبنانية آنذاك) انه من واضعي أول خيمة في ساحة الشهداء. الآن هو مدير مكتب النائب سامي الجميل، "وعندي مسؤوليات حزبية والتزامي ببناء الدولة زاد عشرات المرات". ينظر الى تلك المرحلة بكثير من النوستالجيا. "كنا نتمنى ان نحقق أكثر مما حققناه، علماً اننا خسرنا فريقاً هو "التيار الوطني الحر". في نقد ذاتي بنّاء لتلك التجربة، يقول ريشا انهم خبروا، كتيارات سيادية، معنى النضال الميداني والتظاهر والقضية الواحدة منذ اواخر التسعينات وصولاً الى 14 آذار 2005، "في تلك الفترة كنا نملك نبضاً قوياً جعلنا نسير الى الأمام. اليوم لم تعد القضية مسألة شعب أو مجموعة مقموعة ضد نظام، بل أصبحت أزمة نظام غير قابل للحياة. فالشلل في مؤسسات الدولة الذي نعيشه ناجم عن مصالح مجموعات متناقضة ورؤية متناقضة". لا يرى ريشا في التجربة أي نكسة، "بل أصبحت شهادة حياة ويجب أن تتأرخ لتتعلمها الأجيال".
معادلة بسيطة
من جهة ثانية، أوقف نادر النقيب (مسؤول الشباب في تيار "المستقبل" آنذاك) النشاط السياسي منذ 3 أعوام، ونشاطه انكبّ على البيئة "لأن حلمي يتحقق بالبيئة أكثر من السياسة. "نزرع شجرة بيطلع اوكسيجين"، معادلة بسيطة جداً، والشجرة مفيدة من كل النواحي".
حلم النقيب مع زملائه الشباب ببلد متطور وديموقراطي ومستقل وشفاف، ببلد جديد، كسروا الحواجز بينهم، "كانت تجربة رائعة، وكان ذاك الحلم نراه حقيقة، لكنه لم يكن على قدر الواقع. هو مجرد حلم يمكن ان يتحقق يوماً ما، لكن ليس بالسرعة التي كنا نتمناها ونؤمن بها. أين الديموقراطية والنظام والقانون والشفافية؟ كلها امور رأيناها بعيدة. الآن أصبحت أكثر واقعية تجاه هذه الأمور. فترة 2005 بحزنها وروحيتها الجميلة كانت صادقة مع نفسها ومع قضيتها، والآن هذا الأمر تراجع. مع ذلك لم ييأس النقيب "لأن اليأس يكسر الحلم بتطور البلد".
"شدّ بعضنا الرحال"
ابتعد عمر حرقوص، (مسؤول طالبي في "حركة اليسار الديموقراطي") عن لبنان والسياسة، اتجه صوب الخليج للعمل الاعلامي. كأنه يتحسر على تلك الفترة وعلى الحلم الذي ضاع. يتذكر بأسى تلك الفترة، يوم عمل مع الرفاق في التحضير ليوم 14 آذار 2005 الكبير. "لم نكن نعتقد أن حجم مشاركة اللبنانيين سيصل إلى هذا القدر، كنت أنا الهارب من بيتي، محمياً بكل هؤلاء الذين خرجوا من بيوتهم ومن طوائفهم ومن قوقعة الحرب الأهلية. اعتقدت في تلك اللحظة أني أملك الدنيا كلها لنجاحنا جميعاً في تغيير صورة لبنان من بلد خارج من حرب أهلية يمشي على عكازي "الوصاية" السورية والفساد الطائفي، إلى مشترك وجد في رفيق الحريري واغتياله فرصة للانقلاب على كل شيء له علاقة بالاحتلال ورموزه".
يختم حرقوص "اليوم خرجت أكثرية من صنعوا "الحدث" إلى أماكنهم الخاصة والضيقة وعاد البعض منهم إلى طوائفه لتطعمهم وتؤمن مستقبل أولادهم، وشد بعضنا الرحال إلى بلاد الله الواسعة هرباً من ضيق يخنقنا... قلة ممن شاركوا في صناعة ذلك اليوم بقوا في أحزابهم وفي البلد، البعض منهم يعتقد أن "الاحباط ليس قدراً" وآخرون يرون في البلد فرصة. كان الأمل حلماً وشعارات ومضى، واليوم بعد عشر سنوات... لا أمل".
... لم تفرّق السياسة هؤلاء الشباب، لكن ماذا بقي من الحلم. الصداقات التي جمعتهم. ما زال بعض هؤلاء الشباب يلتقون من وقت الى آخر، ينظمون مشاريع معاً ويقومون بواجبات اجتماعية تجاه بعضهم، يتهاتفون، ويسألون عن أخبارهم، "لأننا عشنا معاً بصدق واحترام بعض النظر عن مواقف كل منا السياسية".