الثلاثاء , 24/03/2015

الأرشيف

al-binaa on Facebook

al-binaa on Twitter

al-binaa on google+

Latest News

» استراتيجيّة الإفراغ

» فرنسا: اليسار الأحمق

» ويبقى اللبناني… نجمة مضيئة في عالم الانتشار

» أحمد جميل حسين حمّود ورفيق سيف الدين وصقر عبد الحقّ من شهداء النضال القوميّ

» مدارات كيف سيواجه اليمنيون المشروع السعودي في بلادهم؟

» هاموند وسعود وفابيوس وسليمان والسنيورة وجنبلاط… صدفة؟

» الاستثمار المصري في القلق الخليجي من «الغول الإيراني»!

» الممثل الشخصي للملك الحوثي لـ«البناء»: لن نسمح بأن تتحول اليمن إلى عراق جديد

» متخلّفون… عن الحضور

» مواجهة الإرهاب… عقدة التتالي والتزامن في الاتفاق النووي

من خلال متابعة متأنية وقراءة طويلة لعلاقات مصر بمحيطها الإقليمي والدولي، نرى أنّها تقيم هذه العلاقات على أساس مصلحي له علاقة بوضع مصر اللحظي بعيداً عن بعدها القومي أو حتى دورها الحقيقي والواقعي على مستوى الإقليم، أو على مستوى خريطة المنطقة، إذ أنّنا نرى أنّ هناك فرقاً جوهريّاً بين أن تستغل بنية معينة قائمة أصلاً على لحظة صراع أو مواجهة وبين أن يكون لك موقف من هذا الصراع، وبالتالي من جملة نواتج أو ملحقات هذه المواجهة.

إن مصر تحاول من خلال ما تقوم به الآن الاستثمار في لحظة سياسية معينة، وهذا الاستثمار ليس سياسياً بمقدار ما هو استثمار في اللحظة السياسية لجهة عنوان اقتصادي محدود ولحظي لا يرتقي للمستوى الاستراتيجي، وهو بالتالي لا يخدم أمن مصر الوطني أو يضمن لها أمناً قوميّاً أو إقليميّاً!

فمصر منذ ثورتها الأخيرة، وسقوط حكم الإخوان المسلمين فيها، وهي تنزع نزوع مصالح ضيقة ليس لها بعد حقيقيّ يخدم الثورة بمعناها الشامل والحقيقي، أو يؤهل مصر لدور إقليمي أو قومي، إذ أنّنا نرى فيه دوراً محدوداً مكموشاً لجهة عناوين لا ترتقي لمستوى لحظة الصراع والعدوان الذي تتعرض له منطقتنا، وهو ما بدا واضحاً من خلال علاقتها بجملة عناوين تخصّ المنطقة، فالتواصل مع منظومة الخليج لم يكن إلا في سياق كيف يمكن لها أن تستغل اللحظة التي تتعرض لها منظومة الخليج وعلى رأسها السعودية، كون أنّ السعودية تعاني معاناة كبيرة وثقيلة في ظلّ ما تراه على أنّه «الغول الإيراني» الذي يزحف باتجاه دول الخليج، من خلال «توافق» أميركي – إيراني أساسه «اتفاق نووي» يساهم في إعادة إنتاج دور إيراني كبير على مستوى المنطقة.

السعودية تخشى هذه اللحظة، وهي بالتالي تحاول إفشالها بأي شكل من الأشكال، مخافة النفوذ الإيراني الجديد على حساب الحضور الأميركي في المنطقة، وتراجع هذا الحضور الأميركي يعني تراجع الاستعمال السعودي من قبل الولايات المتحدة، أي يعني تراجع الحاجة للسعودية، وهو ما ترى فيه السعودية تقدماً للدور الإيراني على الدور الأميركي!

السعودية بهذا المعنى وهذه الرؤية تجرّ معها المكون الخليجي مع فارق حسابات استعمال أميركي لقطر ودورها في هذا الاستعمال من قبل الإدارة الأميركية، غير أن الإمارات والبحرين والكويت فإنها جميعها تسير في ذات الركب السعودي، وهو ما جعل شهية السلطات المصرية مفتوحة على ما أنتجته حالة الذعر التي تعاني منها حكومات الخليج، الأمر الذي دفع المصري للاستثمار المادي في هذه اللحظة، وفي هذا الموقف، مع اللعب على وتر النفوذ الإيراني الجديد في المنطقة، والتلويح بأن مصر جاهزة للرد على أي عدوان يجيء باتجاه المكون الخليجي.

إن العبارة الأشهر التي أطلقها «السيسي»، وهي «مسافة السكة»، ردّاً على أيّ خطر يمكن أن تتعرض له حكومات الخليج العربي، والخطر هنا بالطبع، على رغم عدم التصريح بهويته، فإنه كان واضحاً على أنّه «خطر إيراني»، فهو لن يكون أميركيّاً باعتبار أن الخليج مليء بالقواعد الأميركية، ولن يكون من قبل كيان الاحتلال كون أنّ الكيان أقرب إلى مصر منه إلى الخليج، إضافة إلى عشرات الاتفاقات المعلنة وغير المعلنة بين حكومات الخليج وحكومة كيان الاحتلال، بقي هناك احتمال واحد، وهو ما عناه «السيسي» إنه عدوان «إيراني» على الخليج، وبالتالي فإن «مسافة السكة» بدت عبارة استغلال مشينة بحق هذه الحكومات، لا تبدو واضحة لكثيرين خصوصاً إذ ما وضعت في سياق التعاون العربي واتفاقية الدفاع المشترك إضافة إلى عناوين لها علاقة بالدفاع عن العروبة وعن الإسلام الحقيقي الذي تمثله السعودية.

لم يعد هذا خافياً على كثيرين، لقد بدا فاقعاً جداً في ظل المليارات التي كان يركّز عليها فريق «السيسي»، وفي ظل تسريبات هاتفية ما بين «السيسي» وفريقه السياسي تؤكد هذا الاتجاه في استغلال الحالة المادية والمعنوية التي تعيشها دول الخليج العربي والنفخ فيها من قبل السلطات المصرية نفسها، وتظهيرها على أنّها رئيسية وأساسية!

يبدو ذلك واضحاً في عناوين إضافية تكرس هذا الموقف المصري، أكثر فأكثر، وتكشف عن طريقة الاصطفاف التي تقوم بها الحكومة المصرية، من خلال سياساتها مع دول الجوار والمنطقة، فكلام الحكومة المصرية أخيراً عن «الأمن القومي العربي» ودفاعها عنه، لا يصب في علاقتها مع الفلسطينيين، كون أنّ العلاقة معهم لا تتجاوز العلاقة القائمة بينهم وبين الحكومات الخليجية، وعلاقتها مع سورية قائمة على أساس العلاقة الخليجية مع سورية أيضاً، كذلك بالنسبة للعراق واليمن وتركيا والسودان وباقي دول المنطقة.

هنا يبدو واضحاً أنّ الحكومة المصرية في تركيزها على الدفاع عن «الأمن القومي العربي» لا يتجاوز فهمها له على أنّه الدفاع عن «الأمن الخليجي»، وهو الموقف ذاته الذي يصب في ذات المعنى لجهة استغلال تلك الحكومات بمزيد من الخوف من «الغول الإيراني»، وإلا أين هي مما يحصل للأمن القومي العربي في فلسطين وليبيا والسودان ولبنان واليمن والعراق وسورية؟!.

تفتقر هذه السياسة المصرية إلى كثير من النباهة والفطنة والذكاء، وتفتقر إلى معايير وشروط العلاقات المحترمة مع هذه الدول، مقتربة من حدّ الاستغلال لها، وهو الاستغلال الذي لن يكون مستوراً أو غير مكشوف عنه في لحظات قادمة، كون أنّ مثل هذه السياسات لا يمكن لها أن تعمّر في ظل تحولات هامة وكبيرة ستشهدها المنطقة، وبالتالي فإن ذات السياسة المصرية لا يمكن لها أن تستمر بذات الاتجاه وبذات الطريقة، طالما أنّ متحولات هامة سوف تساهم في تحويل مسالك مليارات الدولارات التي يحاول المكون الخليجي استجداء الحضور المصري فيها ومن خلالها!