قبل أيام أحيى أبناء الشعب العربي في فلسطين المحتلة والشتات ذكرى مرور 39 عاما على يوم الأرض الذي شكل ولا يزال عنوانا لصمود وتمسك العرب الفلسطينيون بأرضهم وعروبتها متحدين كل أساليب القمع والإرهاب وسياسات التطهير العرقي التي ينتهجها كيان العدو الصهيوني.

وكما في كل عام تقام الانشطة المتعددة التي تؤكد على معاني هذا اليوم وأهميته في تاريخ النضال الذي يخوضه عرب الارض المحتلة عام 48، الذين نجحوا في احباط خطط الاحتلال لمحو هويتهم وإخضاعهم، وتمكنوا من بلورة اطر تنظيمية وجماهيرية وحدت جهودهم وطاقاتهم لخوض النضال السياسي والجماهيري ضد الاحتلال وسياساته العنصرية التهويدية.

ونجحوا مؤخراً في تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوني عبر التوحد في قائمة واحدة لخوض الانتخابات وفرض حضورهم في الكنيست الصهيوني كقوة وازنة وفاعلة اربكت الاحزاب الصهيونية، خصوصاً بعد أن تمكنت القائمة من أن تفوز بـ 14 مقعداً نيابيا وتحتل المرتبة الثالثة في ترتيب النتائج، وهو أمر يحصل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الاسرائيلية.

ولا يشك في أن التحدي الإسرائيلي الذي تمثل بقرار رفع نسبة الحسم في هذه الانتخابات، لعب دوراً مهما في تحقيق هذه الوحدة، واستطرادا في الوصول إلى هذه النتيجة التي عززت القناعة بضرورة التمسك بهذه التجربة الناجحة في العمل المشترك بين جميع القوى والأحزاب العربية والمستقلة، وأكدت أنه عندما يتم تغليب المصلحة الوطنية المشتركة على المصلحة الخاصة فان المردود سيكون جيداً بالنسبة للجميع وللقضية في آن معاً.

إن التركيز على هذه التجربة من العمل الفلسطيني المشترك في الاراضي المحتلة عام 48، في ذكرى يوم الأرض ،يكتسب أهميته للدلالة على مدى التطور الحاصل في التجربة النضالية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، منذ المواجهات مع قوات الاحتلال التي شهدها ​يوم الارض​ قبل 39 عاما، والتي شكلت محطة لبداية انتظام الجماهير الفلسطينية بأشكال مختلفة لخوض وتصعيد كفاحهم في التصدي للسياسيات الصهيونية القمعية والتعسفية والعنصرية، والحفاظ على هويتهم العربية الفلسطينية، ورفض سياسات الأسرلة الهادفة الى إذابة الفلسطينيين في المجتمع الصهيوني.

وإذا كانت هذه التجربة النضالية قد تمكنت من تحويل العرب الفلسطينيين من كتلة منقسمة ومهمشة الى قوة فاعلة ومؤثرة، بغض النظر عن الملاحظات النقدية التي تثار حولها، فإنها جديرة بان تكون نموذجا يحتذى في النضال الوطني التحرري لكل قوى وحركات المقاومة الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 67 وفي قطاع غزة والشتات الفلسطيني لوضع حد لحالة الضياع وغياب الاطار الوطني والتنظيمي المشترك الذي ينظم حركة نضال وكفاح المقاومة والجماهير الفلسطينية لإحداث نقلة نوعية في مواجهة الاحتلال وسياساته الاستيطانية التهويدية الهادفة الى استكمال السيطرة على الأرض الفلسطينية وصولا الى تصفية القضية وإعلان الدولة اليهودية العنصرية، وشطب حق العودة، خصوصاً وان الاحتلال قد نجح في استغلال اتفاق اوسلو والمفاوضات على مدى اكثر من عشرين عاما لتحقيق هذه الاهداف الصهيونية، في ظل تخلي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن المقاومة المسلحة، والتزامها بما تم الاتفاق عليه في أوسلو مما وفر المناخ المواتي لقادة العدو لمواصلة سياساتهم ومخططاتهم المذكورة آنفاً، وقد تمكن الاحتلال والمستوطنون في سياق سياسة متناغمة ومنسقة من الاستيلاء على معظم الارض الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها، حتى باتت التقارير الأخيرة تتحدث عن أن الاحتلال الصهيوني قد استولى فعلياً على أكثر من 85 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، التي تبلغ حوالي 27,000 كم2، فيما الـ 15 بالمئة من تلك المساحة عرضة لمحاولات إسرائيلية لتقسيم ما تبقى منها إلى عدة مناطق.

وفي هذا السياق يشير مركز الإحصاء الفلسطيني في بيان إحصائي أصدره بمناسبة يوم الأرض، إلى أن السلطات الإسرائيلية عمدت إلى هدم نحو 500 مبنى في الفترة ما بين 1967 2000 لتتصاعد هذه العمليات ما بين 2000 2014 إلى هدم 1.342 مبنى في مدينة القدس، كما أجبرت السلطات الإسرائيلية 340 مواطنا على هدم منازلهم ذاتيا منذ عام 2000، وشهد عام 2010 ارتفاع وتيرة أعمال الهدم الذاتي بنحو 70 عملية، وأسفرت عمليات الهدم تلك عن تشريد قرابة 5.760 شخصا.

وأشارت بيانات الإحصاء الفلسطينية إلى أن 48.5 بالمئة من المستوطنين يسكنون حاليا في القدس ويبلغ عـددهم حوالي 281.684 مستوطنا في القدس بينهم 206.705 مستوطنين في القدس J1، وتشكل نسبة المستوطنين في الضفة الغربية حوالي 21 مستوطنا مقابل كل100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 69 مستوطنا مقابل كل 100 فلسطيني.

هذا التطور الخطير في الاستيطان لم يكن ليحصل لولا مسرحية المفاوضات التي نجح العدو في استخدامها كملهاة للسلطة الفلسطينية التي تحولت الى مجرد حارس لأمن الاحتلال من خلال التزامها بالتنسيق الأمني معه، واعتقال كوادر المقاومة في الضفة الغربية، مما عزز التطرف والعدوانية الصهيونية، وهو ما عكسته الحملة الانتخابية الاسرائيلية الاخيرة والنتائج التي اسفرت عنها، والتي اظهرت سيطرة لغة العداء للفلسطينيين في التنافس بين جميع الاحزاب الاسرائيلية كوسيلة ناجحة وفعالة لكسب الأصوات الصهيونية، الأمر الذي ما مكن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من الفوز مجدداً بأعلى نسبة من الاصوات.

طبعا ادركت السلطة الفلسطينية متأخرة فشل المراهنة على جنوح الرأي العام الصهيوني نحو التسوية وحل الدولتين الموعود، ولجأت الى الرد على ذلك بالانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، لكنها لم تقرر التخلي عن سياسة الاستمرار في نهج التفاوض العقيم، والرهان على الدبلوماسية بديلا عن خيار المقاومة المسلحة، ولهذا فانه آن الآوان فلسطينيا كي تقرر قوى وحركات المقاومة الفلسطينية على اختلاف تنوعها، داخل منظمة التحرير وخارجها، العمل على عدم الرهان على صحوة ضمير قيادة السلطة التي لا تستطيع مغادرة نهج اوسلو لأنها باتت أسيرة له ومرتهنة للمساعدات الغربية الأميركية وأموال الضرائب التي يجبيها الاحتلال لمصلحتها، ونيابة عنها، وبالتالي مسارعة هذا القوى والحركات لإجراء مراجعة جادة وحقيقية لما آل اليه النضال الوطني الفلسطيني، وخطورة استمرار عدم الاسراع في اعادة بلورة جبهة وطنية تحررية جديدة تنخرط وتنتظم فيها كل حركات المقاومة والفعاليات الوطنية الفلسطينية لقيادة النضال الوطني بكل اشكاله المسلحة والشعبية والسياسية والدبلوماسية، على أن يكون الشكل الاساسي فيها هو المقاومة المسلحة، وكل الاشكال الاخرى تصب في اطار تعزيز هذه المقاومة، التي اثبتت التجربة الفلسطينية واللبنانية، وقبلها الجزائرية والفيتنامية، أنها هي السبيل لتحرير الارض المحتلة من الاحتلال، وهي أقصر الطرق والأقل كلفة، والضمانة للحفاظ على الحقوق ومنع العدو من فرض الأمر الواقع والاستقرار، وبالتالي الحيلولة دون نجاحه في تنفيذ مخططاته لتصفية هذه الحقوق.