تصدّرت "إدلب" الإعلام من بابه العريض في الأيام الماضية، فلا يمرُّ يوم إلاّ ونسمع بتطورات الأحداث التي جرت فيها. فبعد أن سيطر ​الجيش السوري​ على أكثر من منطقة في أرياف المحافظة؛ سقط قلب المدينة بيد المسلحين ثانية؛ وبعد ساعات عدة سقطت إدلب المحافظة لتصبح ثاني المحافظات التي لم يعد للنظام موطئ قدم فيها ما خلا القليل من الأرياف. وراح المحللون يكتبون عن النصر العسكري لـ"​جبهة النصرة​" و"الجيش الحر" وعن المساعدة الخارجية ودور المخابرات التركية تحديداً، وآخرون يكتبون عن خيانات حصلت، فيما الجيش السوري و"حزب الله" يعدّان العدة للحسم العسكري فيها.

فقد قيل أنّه قرار اتخذته القيادة العسكرية المشتركة بإعادة التموضع في المحافظة المذكورة، واعتبر المسلحون نصرًا عظيمًا كانوا في أمسّ الحاجة إليه بعد توالي الانكسارات على الاراضي السورية والتي لم ينجح الهجوم على "بصرى الشام" بترميمها؛ أمّا في صفوف الموالين للنظام السوري فكان الجميع في حالة استغراب وصدمة وترقّب، فيما القيادة العسكرية المشتركة تَجْرِي قُدماً لترجمة مصطلح "إعادة التموضع" عند الانسحاب من المدينة عملياً؛ لتعود القوات النظامية وتلك الحليفة معها بدراسة الواقع ووضع الخطط لمباشرة معركة السيطرة على كامل المحافظة سريعاً؛ مانعين المسلحين من التمكنّ والتثبيت فيها.

وفي إطار الردّ السريع؛ ستشهد الايام المقبلة بداية جديدة لمعركة إدلب وضرب مشروع "جبهة النصرة" التي وعلى ما يبدو نجحت -في جمع السعودية وتركيا بعد أحداث اليمن- على هدف اسقاط اللاذقية بعد السيطرة على الساحل السوري.

فبعد العملية الخاطفة -قبل معركة إدلب الاولى- في "ريف اللاذقية" التي انتهت الى تحرير منطقة "سلمى" من المسلحين قام الجيش السوري و"حزب الله" بأكثر من عملية موضعية خلال الايام الماضية تحضيراً لمعركة إدلب وتأميناً للساحل الشمالي من أيّ تدخل عسكري اجنبي -عند بدء المعركة- كما حصل في حلب سابقاً.

فقد أكّدت مصادر لـ"النشرة" ان تأمين الحدود "السورية-التركية" من الغرب -باتجاه إدلب- من "دركوش" قد أُنجز ليكون محوراً أولَ للتقدم باتجاه ريف المدينة الغربي. كما أنّ الشمال الشرقي القريب من حدود "إدلب-حلب" عند "تفنتار" سيكون محوراً ثانياً؛ وبالهجوم من محور "جسر الشغور-اريحا" يكون الجيش قد استطاع فصل إدلب عن "معرّة النعمان"؛ على أن تتقدم القوات من الشمال نحو قريتي "كفريا والفوعة" المحاصرتين لتأمينها وللانطلاق منهما الى ريف ادلب الجنوبي.

معركة "ادلب" التي ستنطلق من الجبهات الأربعة للجهات تهدف الى قطع الربط بين المسلحين وإحداث ثغرات كفيلة بمحاصرة كل منطقة على حدى، فريف اللاذقية الشمالي المتصل بريف ادلب يصبح تحت سيطرة الجيش السوري ناريًّا، وبفكّ الحصار عن قريتي "كفريا والفوعة" يكون الجيش قد نجح بقطع خط "إدلب-حلب" وبمحاصرة المدينة من الشمال والشرق وكذلك الجنوب؛ فبمجرد تحرير أرياف ادلب من المسلحين يكون الجيش السوري قد نجح بإجبار المسلحين سلوك خط انسحاب وحيد من جنوبي-شرقي إدلب باتجاه مناطق سيطرة المسلحين في "حلب" ومنها الى "الرّقة".

وبهذا يكون الجيش السوري وضع استراتيجية نقل الحرب السورية الى الشمال ووضع تأمين الساحل حيّز التنفيذ. إذ أن الشمال السوري مرتبط فعليًا بالحرب العراقية على الارهاب لما له من امتداد الى الغرب العراقي والموصل؛ ومرتبط بقضايا إقليمية ودولية لا أفق للحسم لها في المدى المنظور. أما من خلال تأمين إدلب نقطة ضعف الساحل والداخل السوري، يكون المحور المقاوِم في سوريا قد قطع الطريق السياسي على المشروع العربي التركي الذي كان مجهّزًا لـ"جبهة النصرة" فور سقوط كامل المحافظة بيدها.

لم يطلق الجيش السوري اسم "معركة استرداد إدلب" على العملية المقبلة - لايمانه بعدم وجود اي نصر عسكري أو سقوط للمحافظة لإعادة السيطرة عليها – لان جولات الكرّ والفرّ تبقى أمرا طبيعيا في ميزان الحروب ويبقى خيار الانسحاب او اعادة التموضع تكتيكًا عسكريًا تفرضه أرض الميدان.