قلما زار مسؤول اميركي العاصمة اللبنانية ولم يخصص وقتا للقاء مرجعيات مسيحية يتصدرها في غالب الاحيان البطريرك الماروني خصوصا في ظل شغور سدة الرئاسة الاولى. مرّ نائب وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن ببيروت ولم يخص سوى النائب وليد جنبلاط - الذي يملك حيثية وطنية كبيرة تجعله قبلة الزوار للبنان ومن تفتح امامه ابواب قصور الرئاسات في الخارج - ومن جمع الى العشاء في منزله وابرزهم من خارج كتلته النائب السابق غطاس خوري عن تيار المستقبل، بلقاء من خارج القيادات الرسمية او العسكرية التي التقاها الديبلوماسي الاميركي. يخشى سياسيون في هذا السياق من الدلالات الرمزية لهذا المعطى والتي يفسرها البعض بتراجع المسيحيين وفقدانهم اهميتهم الاستراتيجية خصوصا في ظل طغيان الازمات الاقليمية والتي جاءت زيارة بلينكن من اجل ان تحاول الطمأنة الى ما سمي "الاتفاق القفص" تدليلا على ان الاتفاق النووي مع ايران لم يشمل سوى هذا الملف دون سائر ازمات المنطقة وتأكيدا من واشنطن على ان الولايات المتحدة لا تزال على موقفها من دعم المعارضة السورية والذي انتهى تدريب ما يقارب خمسة آلاف منهم وعلى دعمها لعاصفة الحزم في اليمن، ومن انه لولا الضربات التي قامت بها في تكريت تحت شرط ابعاد قاسم سليماني من الواجهة لما جرى تحرير المدينة وكذلك الامر بالنسبة الى رفع الحظر عن تسليم مصر الطائرات والصواريخ المتفق عليها سابقا بين البلدين. الدلالة الاخرى التي ادركها السياسيون المعنيون ان ملف الرئاسة الاولى استوضح فيه الديبلوماسي الاميركي الاسباب وراء عدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن وسمع ما يعرفه الجميع عن تعطيل النصاب وتاليا امساك ايران بمفتاح انتخاب الرئيس العتيد. الامر الذي عكس ما يدركه الجميع من ان هذا الملف ليس من اولويات واشنطن ولا يحظى بمتابعتها المباشرة خصوصا ان الحوار المسيحي القائم لا يخفي واقع المراوحة وعجز القوى المسيحية عن التقدم ايجابا في هذا الملف. الا انه في المقابل لم يخف لهؤلاء واقع الزيارة التي قام بها بلينكن لقائد الجيش العماد جان قهوجي في مؤشر مهم ليس على استمرار دعم واشنطن للجيش فحسب بل رفضا لاي فراغ في هذا الموقع خصوصا في حال العجز عن تعيين قائد جديد للجيش. وعلى هذا الصعيد بالذات تستبعد مصادر سياسية معنية الا يتم التمديد للعماد قهوجي على رغم المواقف التي يطلقها رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الذي فتح المعركة باكرا في هذا الاطار على ان يصار كترضية له وفق ما يسري في بعض الاوساط تأجيل تسريح ما يقارب 12 ضابطا من الرتب العالية من اجل حفظ حق صهره العميد شامل روكز في الاستمرار في منصبه بعد ايلول المقبل.

ازمة اليمن والصراع المباشر الذي برز بين المملكة السعودية وايران على خلفية بات عنصرا اضافيا تبنى عليه الحسابات ايجابا او سلبا بالنسبة الى موضوع الرئاسة. اذ تقول مصادر معنية ان كل المحاولات الداخلية استنزفت ولم يعد يحصل شيء على صعيد هذا الملف انطلاقا من واقع ان كل فريق يتحصن بسلبيته انتظارا للرهانات الاقليمية. اذ ان العماد ميشال عون لم يقتنع في آخر المحاولات التي بذلت معه وتوقفت منذ بعض الوقت انه قد يكون مفيدا في مرحلة ما النزول الى مجلس النواب من اجل انتخابه اذ انه يستطيع ان يحرج خصومه متى حاز غالبية من 57 صوتا هي اصوات حلفائه في قوى 8 آذار في الوقت الذي قد لا يحظى الدكتور سمير جعجع في حال استمر في ترشيحه اكثر من اربعين صوتا على ان تتوزع الاصوات الباقية بين النائب هنري حلو في حال اصر النائب وليد جنبلاط على دعم ترشيحه وبين الرئيس امين الجميل في حال رغب حزب الكتائب في ترشيحه. غالبية الاصوات التي يمكن ان يحظى بها عون من المرجح ان تدفع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للقول انه وبما ان هناك من حظي بغالبية الاصوات المارونية فعلى الآخرين الانسحاب له فيكون حظي بذلك بدعم الكنسية المارونية. الا ان حلفاء عون اظهروا خشيتهم من احتمال كهذا لا يضمن وصوله مئة في المئة. في المقابل، فإن تعطيل النصاب من جانب عون و" حزب الله" لا يعني ان قوى 14 آذار لا تتحمل مسؤولية جزئية انطلاقا من ان رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لم يقتنع بدوره بضرورة الذهاب الى مبادرة اكثر ايجابية عبر اقتراح اسماء شخصيات تحرج الفريق الآخر من زاوية انه لا يستطيع رفضها. وهناك اسماء عدة متوافرة على هذا الصعيد يتم الحرص على عدم التداول بها من اجل عدم حرقها.

الرهانات الجديدة التي اضافتها تطورات اليمن بالنسبة الى قوى 8 آذار تستند الى ان عدم تزويد الولايات المتحدة السعودية السلاح اللازم لحسم عاصفة الحزم بسرعة، باعتبار ان فرنسا احتاجت بعد ثلاثة اسابيع من قصف ليبيا الى صواريخ وقذائف كانت نفدت من مخرونها، سيجعل الباب مفتوحا امام مساومات على حلول تقول هذه المصادر ان ايران لا تزال في موقع قوة فيها ما دامت تحارب بالآخرين وعلى ارض الآخرين. واي مفاتحة من الولايات المتحدة لها بموضوع انتخابات الرئاسة في لبنان متى حصل سيرجح خيارها كما كان يحصل بين الاميركيين والنظام السوري وفق اعتقاد هؤلاء على الاقل.