بعد التفجير الإرهابي الثاني في مدينة ​الدمام​، يبدو أن المملكة العربية السعودية دخلت مرحلة التحوّلات الكبرى، على المستوى الداخلي والخارجي، خصوصاً أنه ترافق مع إرتفاع أصوات تؤكد ضرورة الذهاب نحو تغييرات سريعة بالنهج المتبع منذ سنوات طويلة، والذي ساهم إلى حد بعيد في نمو الحركات المتطرفة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.

ما ينبغي التنبّه له في هذه المرحلة، هو أن هذه الأعمال الإرهابية جاءت في ظل إرتفاع أصوات أوروبية تحمّل الرياض مسؤولية إنتشار الفكر المتطرف في دولها، وفي ظل موجة كبيرة من الإنتقادات توجه إلى نجل الملك السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان، الذي يزور العاصمة الفرنسية باريس لقضاء "شهر العسل"، في الوقت الذي تشنّ فيه بلاده حرباً في اليمن.

في هذا السياق، لا يحمل تفجير الدمام دلالات مختلفة عن الذي وقع في منطقة القطيف قبل اسبوع، إلا أنه يجزم بأنهما عبارة عن حلقات في مسلسل طويل لن ينتهي في وقت قريب، لكنهما سيفتحان الباب واسعاً لطرح الكثير من الأسئلة حول الجهات التي تتحمل المسؤولية والإجراءات التي من الواجب إتخاذها، لا سيما في ظل تجاهل كل التحذيرات السابقة بأن التنظيمات المتطرفة تضع "غزو" المملكة على رأس قائمة أهدافها، وهي أصدرت نشرات متعددة حول هذا الموضوع.

واقع الجماعات المتطرفة اليوم، يشبه واقع كرة النار التي تتدحرج من دولة إلى أخرى، حاصدة معها أرواح الآلاف من الأبرياء، ومدعومة من قبل فئات واسعة تستفيد من أي حادثة لتأكيد وجهة نظرها، خصوصاً أن الأجواء المشتعلة في المنطقة تؤمن لها بيئة حاضنة للنمو، لا سيما في ظل الفشل في معالجة الأزمات بطرق سلميّة تحصّن الشعوب والدول من الوقوع في فخ الجماعات الإرهابية.

وبعيداً عن كل وجهات النظر التي تتناول الحرب في اليمن، منذ بدايتها إلى اليوم، لا يمكن إنكار أنها كانت العامل الأبرز على صعيد تعزيز نفوذ المتطرفين، بعد أن وضعت بقالب مذهبي وإيديولوجي واضح، وأصبح المواطن الذي يرى أن بلاده تشن حرباً تحت هكذا عنوان يعتبر أن من حقه القيام بأعمال مشابهة، لا سيما أن الهواء مفتوح أمام قنوات تلفزيونية تحرض على مدى ساعات النهار، ناهيك عن مواقع التواصل الإجتماعي التي تنتشر فيها الأفكار الظلامية، إلى حد بات معه من الواجب إعادة النظر بتسميتها، لتصبح "مواقع قطع التواصل الإجتماعي".

أمام هذه المعطيات، أصبح من الضروري الذهاب مباشرة إلى أصول المشكلة، الفكرية والإعلامية قبل العسكرية والأمنية، وتسديد الثغرات التي يتسرب منها هؤلاء الأولوية الأساسية، وهنا على السعودية مسؤولية كبيرة، نظراً إلى قدراتها الهائلة في هذا المجال، حيث ترتبط بها معظم المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم، من حيث التمويل والتدريب.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون عليها المساهمة في البحث عن حلول سلمية عاجلة لكل القضايا الإقليمية العالقة، من سوريا إلى العراق فاليمن وليبيا ومصر ولبنان، لأن أجواء العنف تشكل البيئة الفاعلة لهذه الجماعات كي تنظّم نفسها، وتجربة تنظيم "داعش" هي دليل واضح على ذلك، حيث نجح بعد إضعافه في العراق بإعادة تجميع قوته، مستفيداً من الحرب السورية التي أمنت له المقاتلين والتمويل ومراكز الإنطلاق من جديد، وعاد إلى بلاد الرافدين، لا بل يحلم بالتوسع نحو بلدان أخرى في المرحلة المقبلة.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن الرياض دخلت عملياً المنعطف الخطير، ولا أحد يستطيع أن يتوقع إلى أين ستذهب الأمور بالمستقبل، في ظل الإحصاءات الخطيرة التي أكدت أن فئات كبيرة من سكانها تتعاطف مع الأفكار المتطرفة، ومخططات إعادة ترسيم المنطقة وفقاً لخرائط جديدة تؤكد أن هناك بلداناً جديدة ستظهر إلى العلن، وردة الفعل على مظاهر اللجان الشعبية، التي ظهرت في المناطق الشرقية لحمايتها من الإنتحاريين والسيارات المفخخة بعد التفجير الإرهابي الأول، تؤشر إلى أمر واقع بدأ بالتكرس تباعاً، مع العلم أنه ضروري لمنع حصول المزيد من الجرائم الخطيرة.

في المحصلة، باتت الأمور واضحة جداً، لا يمكن الإستمرار في الواقع الحالي طويلاً، إلا إذا كان المطلوب الإستسلام لنظرية الدخول في حرب المئة عام، فهل تقدم الرياض على القرارات الصعبة أم تترك كرة النار تتدحرج أكثر على أرضها؟