هل تعترف بأنك أخطأت في تشخيص وضع الطفلة ايلاّ طنوس؟

نعم أعترف بأنني أخطأت في تشخيص الوضع.

عند هذين السؤال والجواب تنهار كل عراضات المرجلة النقابية والكلام الكبير والانفعالي والتهويلي الذي شهدته نقابة الأطباء، وتسقط محاولات أخذ القضية الى مكان آخر واعتماد استراتيجية ان أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، كما محاولة الهروب الى الأمام من خلال التصويب على الاعلام لأحداث دخان يُغطي الخطأ الطبي الجسيم الذي وقع.

لكن الدكتور عصام معلوف، وبعيدا من انفعالات النقابة أعاد تصويب الأمور من خلال الإعتراف الذي قدَّمه:

التحقيق معه أمتد على مدى ثماني ساعات، من الاولى بعد الظهر حتى التاسعة مساء في حضور ضابط المباحث الجنائية ومحامي نقابة الاطباء من آل الأسطا.

لم يترك المحقق سؤالاً الا وسأله، الى ان وصل السؤال المفتاح:

هل تعترف بأنك أخطأت بتشخيص وضع ايلا طنوس؟

القنبلة نعم أعترف بأنني اخطأت.

ماذا تريد نقابة الاطباء بعد هذا الاعتراف؟ الطبيب عصام معلوف الذي كانت له جرأة الاعتراف، وبأنه لم يتابع وضع الطفلة ايلاّ طنوس عن كثب، وبأنه طلب فحص الدم لكنه لم يُجر زرعاً لهذا الفحص، ولو فعل لكان عرف الفيروس وأعطى فوراً المضاد المطلوب.

اما المفاجأة الثانية المدوية فهي ان الطبيب معلوف، وبعد انتهاء التحقيق، تقدَّم من الضابط وقال له:

أشكرك حضرة الضابط على انكم اوقفتموني وانكم عاملتموني بكل احترام وتهذيب وبالتالي فقد ارتاح ضميري.

بالتأكيد اطلعت النقابة على هذه التفاصيل، فكيف تصرفت؟

فبدلاً من ان تواكب التحقيقات وتُحيي موقف القضاء وجرأة الطبيب الذي ادلى باعترافاته، راحت تهول بعظائم الأمور ومئة طبيب متواجد في القاعة راحوا يمننون الناس بأنهم يطببوهم؟ انه آخر الزمان، فهل الاطباء يطببون مجانا؟ كم منهم راكم الثروات من جراء مهنته؟ أين الضريبة التي يدفعونها على ارباحهم الطائلة؟ لماذا دائما يجب ان يكونوا كإمرأة قيصر فوق الشبهات؟ اذا كان هؤلاء المئة يطببون مجاناً فليتوقفوا لكنهم سيكونون أول الخاسرين لأنها مهنتهم ويتقاضون منها الأجور الباهظة، فهل يضحكون على الناس حين يهولون بوقف الطبابة؟

أليس لديهم من الحكمة ما يكفي ليعمدوا الى التروِّي بدل الإنفعال؟ اليس لديهم ما يكفي من العقلاء ليحسبوا حساب ما يتفوهون به؟

ان خطأ إرتكبه طبيب، وكل ما قام الاعلام به هو انه أضاء على الخبر، فهل هذه جريمة؟ هل الجريمة في الاضاءة على خطأ طبي أو في محاولة التغطية على هذا الخطأ؟ هل الاعلام هو الذي تسبب ببتر يدي ورجلي ايلا طنوس؟ ايهما اجدى لنقابة الاطباء؟ ان تهاجم الاعلام او ان تتداعى لتأخذ على عاتقها تأمين كلفة معالجة الطفلة ايلا؟ كما فعل واجبه مشكورا وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي طلب من مجلس الوزراء رصد 150 مليون ليرة لتطبيب ايلا طنوس في الخارج. بإمكان نقابة الاطباء، ان تعلن انها ستتكفل بكلفة علاج أضعاف أضعاف هذا المبلغ للمعاونة على زرع أطراف إصطناعية لايلا طنوس الطفلة الضحية البريئة، فبهذه الطريقة تكون قد كفرت عن خطأ طبي ارتكب بحقها.

ثم ان الاخطاء لا يجوز ان تمرّ بعد اليوم من أي نوع كانت، لا الاخطاء الطبية ولا الاخطاء القانونية ولا الاخطاء في حق الاعلام الذي يجب ان يتوقف عن كونه مكسر عصا.

الى كلّ المتحاملين على الاعلام نقول:

حين بدأ وزير الصحة وائل ابو فاعور حملته على الفساد قال كلمته الشهيرة شريكي في هذه الحملة هو الاعلام، فمن دونه لا استطيع فعل شيء، وفعلا فقد استطاع الاعلام اسقاط كل الحمايات التي كانت تحمي الفاسدين والمواد الغذائية الفاسدة. من دون الاعلام كيف كانت لحملة محاربة الفساد ان تنجح؟ ألم يكن الاعلام يدعى لمواكبة اعمال الدهم؟ ألم يدع للكشف عن اهراءات القمح غير المطابقة؟ ألم يدع لدهم مستودعات السكر في طرابلس؟ ماذا عن المسالخ والمسامك غير المطابقة؟ لولا الاعلام من كان يجرؤ على كشفها أو بدء معالجتها؟

ثم اذا كانت هذه هي رسالة الاعلام، فلماذا يجب على هذه الرسالة ان تتوقف عند ابواب بعض المستشفيات والعيادات ونقابة الاطباء، فهل هذه قلاع لا يجوز طرق ابوابها؟

ان كل هذه المؤسسات لا تساوي اطراف ايلا طنوس، ولا تساوي دمعة أمها ولا قهر أبيها، فيا ايها المتحاملون اليس لديكم فلذات اكباد؟ الا تشعرون مع ايلا ومع والديها؟ فقد سلم والدا ايلا ابنتهما الى طبيب وها هي الآن من دون يدين ورجلين وحيناً مع عاهة دائمة.

الاعلام سيتابع رسالته، والقضاء سيتابع دوره، اما المتحاملون فليتحملوا من الآن فصاعدا، ولن يقوى احد على عدم احقاق الحق للناس.

حسنا اعترف الطبيب الجريء بخطأه واراح بذلك ضميره أمام الله والطفلة ايلا.