بمجرد سماع كلمة "مساكنة" في مجتمعنا، تسافر الافكار الى مكان اسود سيء، ف​المساكنة​ تكاد تكون مرادفا للدعارة، ولكن المساكنة شئنا ام أبينا اصبحت امرا واقعا وان لم تنتشر بعد سوى في المدن الكبرى وابرزها بيروت. من هنا لا بد من النظر الى الموضوع من كل نواحيه، خصوصا ان عادات كهذه تكون سببا لانهيار المجتمع الشرقي.

لم يُشر القانون اللبناني في اي من مواده إلى ما يتيح المساكنة بين الرجل والمرأة سوى عبر عقد زواج يستوجب شروطا ثلاثة، العلنيّة، اختلاف الجنس، وعقده من قبل رجل دين، ولذلك فإن قانون الأحوال الشخصية في لبنان اعتبر أنّ نقص أحد هذه الشروط يفقد العقد شرعيّته. ولكن القانون نفسه لم ينص على فرض عقوبة واضحة للذين يسكنون مع بعضهم البعض من دون عقد زواج يجمعهما، إلا اذا تبين أن سلوكهما مخل بالآداب العامة ومنافٍ للأخلاق.

تؤيد نور (اسم مستعار)، المساكنة، فهي بالنسبة اليها وسيلة التعارف الافضل والامثل، فبعض العادات لدى الشاب قد لا تظهر سوى داخل المنزل وبالتالي على الفتاة ان تعلم بهذه الخصال قبل الزواج لانها قد تكون مزعجة لها وغير مريحة ومؤذية احيانا. وتضيف في حديث لـ"النشرة" : "كثير من الأشخاص هم ضدّ مؤسسة الزواج بشكل عام، لأنهم يعتبرونها مؤسسة فاشلة، وقد تكون المساكنة بالنسبة اليهم هي الحلّ، لأنها قد تؤمن العيش معا ولكن مع مستوى اعلى من الاستقلالية التي لا يؤمنها الزواج".

ولكن رأي نور قد لا يتوافق مع اغلب آراء الشباب اللبناني الذين يرفضون المساكنة (بالعلن)، فهند مثلا ترى ان المساكنة محرّمة دينياً وتندرج ضمن خانتي الزنى والخطيئة، معتبرة ان المساكنة وان صح اعتبارها زواجاً، فهي زواج غير منظّم لا يستند على اسس قوية ومتينة تنظم هذه العلاقة المقدّسة، وبالتالي فهي تشبه الابنية العشوائية التي تحيط بمدينة ما والتي تفقد الاسس المبدئية لحياة طبيعية. وتضيف هند عبر "النشرة": "على الرغم من ان العلاقات الشخصية هي قرار فردي لكن يجب الاّ ننسى انها هي التي تشكل وتكون المجتمع، وبالتالي فإن الخلل الذي قد يصيب عنصرًا في هذه العلاقة سيؤثر بطريقة ما على المجتمع وتكونه، واي شيء لا يُبنى على اسس متينة وقوية فسينهار عاجلاً ام آجلاً".

أما نور فترى ان مجتمعنا لا يتكون من فئة واحدة، وكما يوجد بيننا من هم متمسكون بالعادات والتقاليد والقيم الدينية، هناك من خرجوا كليا عن هذه العادات، وبالتالي فليس صحيحا ان المجتمع بكامله يرفض المساكنة، مشيرة الى ان مجتمعنا لا زال ينظر بطريقة سيئة للفتاة ان اقامت علاقة مع الرجل قبل الزواج بغض النظر عن نوعها.

من جهته يعتبر محمد نور الدين ان المساكنة هي تخلٍّ عن المسؤوليات الأسرية وزنى، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى ان مشاكلها ستظهر مع الوقت وستكون كارثية على الحياة الاسرية.

كذلك ترفض كارلا متى مبدأ المساكنة، وتربط هذا الأمر بالمجتمع الرافض اولا والدين ثانيا، سائلة: "اذا كانا قادرين على العيش معا في بيت واحد فلم لا يتزوجان؟"

من جهته يؤيد مازن فكرة المساكنة ويكشف انه يمارسها حاليا، معتبرا انها طريقة مثالية لدرس الشريك الاخر من كل الجوانب. ويقول: "ان كان المجتمع يرفض المساكنة ويدعو للزواج، لماذا اذا يُنظر للمطلّقة نظرة ناقصة؟"، مشيرا الى ان الكلفة الاجتماعية للطلاق تفوق بأضعاف كلفتها عند المساكنة وبالتالي لا ضير ان يكون الزواج بعد فترة مساكنة معينة تصبح فيها الصورة واضحة اكثر.

وتجدر الاشارة الى ان الكثير من آراء الشبان كانت مع المساكنة رغم تصنيفها بعلاقة "غير شرعية"، وهذا ما يرسم علامة استفهام كبرى، اذ كيف يقبلون على انفسهم ما لا يقبلونه على غيرهم وخاصة من النساء؟

المساكنة وعلم الاجتماع

يرى الاخصائي في علم النفس الاجتماعي احمد يوسف ان المساكنة تفرض نفسها بشكل او بآخر على مجتمعنا، مشيرا الى ان المجتمع يرفضها نظريا ويطبقها عمليا. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "لا نستطيع اليوم رفض المساكنة لان طبيعة العلاقات الحديثة تفرض تعدد اشكال العلاقات العاطفية وعدم بقائها محصورة بشكل واحد وهو الزواج التقليدي".

ويلفت يوسف النظر الى ان التاريخ شهد عدة اشكال للعلاقات العاطفية والجنسية، وهذا الامر ليس حديثا، مشيرا الى ان المساكنة هي احد هذه الاشكال التي تعود اسبابها المباشرة الى طبيعة الاحتكاك اليومي بين الرجل والمرأة بسبب بنية العمل الحديثة، وصعوبة الوصول الى الزواج لما يحمله معه من كلفة مادية كبيرة جدا وتتداخل فيه امور العائلة.

ويضيف يوسف: "ان الشكل الشائع للعلاقة العاطفية دون زواج هي "المصاحبة" التي هي علنية وموجودة بكثرة، بينما علاقة المساكنة وان اصبحت شائعة الا انها غير علنية لان المجتمع غير قادر على الاطلاق تقبل هذه الامر". ويقول: "طبيعة مجتمعنا وثقافته تُبعد الرجل عن الشبهات وتتهم المرأة بالانحلال الاخلاقي حتى وان قاما بنفس الفعل، وهذا خلل كبير ينبغي اصلاحه".

ويشدد الاخصائي في علم النفس الاجتماعي على ان المجتمع يصر على نوع واحد من العلاقات وهو الزواج، وليس للامر علاقة بالشرع والدين، اذ ان الدين حلل زواج المسيار والمتعة ولكن المجتمع لا يزال رافضا لهما والدليل يظهر جليا لدى سؤال الشاب ان كان يقبل بالزواج من فتاة سبق لها أن تزوجت بطريقة المتعة او المسيار، وسيكون جوابه بالرفض القاطع رغم انه يقبل القيام بهكذا انواع من العلاقات، وهذا ايضا خلل كبير بمجتمعنا وثقافتنا".

بدأت "المساكنة" بالانتشار في المجتمع، ورغم ايجابياتها بالنسبة للبعض الا ان ابرز سلبياتها تظهر ان نتج عن العلاقة طفلا، فما هو مصيره، كذلك بعد ان تبين ان الحلال والحرام ليسا هما ما يحدد "المقبول" لدى المجتمع بل الثقافة السائدة هي المعيار، وبالتالي قبل ان نسمع الاراء الرافضة للمساكنة وخصوصا من قبل الشباب، هل هؤلاء الشباب انفسهم يقبلون بالمساكنة ان عُرضت عليهم؟