لأنّ أغلبيّة الملفّات في منطقة الشرق الأوسط مُرتبطة بعضها ببعض بشكل أو بآخر، فإنّ إستحقاقين مُهمّين جدّاً سيُحدّدان مُستقبل المنطقة، أقلّه بشكل جزئي، خلال الأيّام القليلة المُقبلة، وهما إستحقاق المفاوضات الخاصة بالحرب في اليمن والتي تُمثّل واجهة دمويّة لصراع النفوذ بين المملكة العربيّة السعودية من جهة والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة من جهة ثانية، وإستحقاق المفاوضات الغربيّة-الإيرانية بشأن الملفّ النووي الإيراني. فالإستحقاق الأوّل ستظهر أولى نتائجه في الساعات القليلة المُقبلة، لتتبلور تباعاً خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، بينما الإستحقاق الثاني ستظهر نتائجه نهاية هذا الشهر لتتبلور بشكل أوضح خلال الأشهر القليلة المقبلة. فما هي آخر المعلومات عن هذين الإستحقاقين الحاسمين؟

بالنسبة إلى المفاوضات اليمنيّة-اليمنيّة في جنيف، والتي هي فعلياً عبارة عن مفاوضات غير مباشرة بين الرياض وطهران عبر ممثّليهما على طاولة التفاوض، فقد دخلت في فترة حرجة حيث يُنتظر أن تتبلور نتائجها في الساعات المُقبلة. وإذا كان من غير المُرجّح أن ينتهي هذا الملف بشكل نهائي في اليومين القادمين، فإنّ فرصة تحقيق هدنة أو وقف لإطلاق النار طوال شهر رمضان حُسمت، لإعطاء الأطراف العربيّة والدَوليّة التي دخلت على الخط، فرصة أكبر لصياغة تسوية تكون مقبولة من أغلبيّة الأطراف المُتقاتلة. وعزا مُحلّلون غربيّون التوصّل لوقف للنار إلى سببين:

الأوّل: حاجة السعوديّة إلى وقف تورّطها العسكري في حرب اليمن، طالما أنّ هذا التدخّل أدّى الغرض منه والذي يتمثّل في إظهار نيّة الرياض الحاسمة في رفض محاولات طهران فرض نظام مجاور للسعودية ومعاد لها، عبر اللعب على وتر كل من تنظيم "أنصار الله" والقوّات العسكرية اليمنيّة النظامية الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي أزيح بالقوّة عن السلطة بضغط مباشر من الرياض بموازاة التحرّكات الشعبيّة المُعارضة له. وبحسب الخبراء أنفسهم، فإنّ إطالة التدخّل العسكري السعودي يؤدّي فقط إلى إدخال المملكة السعودية في حرب إستنزاف لا تريدها وليست في مصلحتها على المدى الطويل.

ثانياً: حاجة القوى العسكرية التي تتعرّض للقصف الجوي من الطيران السعودي والعربي، وللمقاومة من جماعات يمنيّة مُسلّحة موالية للرياض، إلى إلتقاط الأنفاس، بعد الخسائر الجسيمة التي تعرّضت لها والتي وضعت أعداداً كبيراً من الشعب اليمني في موقف صعب جداً من الناحية الحياتيّة والإقتصادية. كما أنّ هذه القوى بالتحديد تحتاج، ودائماً بحسب المُحلّلين الغربيّين، إلى تدخّل عربي-غربي على خط التفاوض، لأنّ من شأن تحقيق التسوية في هذه المرحلة بالتحديد أن يؤمّن الكثير من المطالب المهمّة بسبب التوازن العسكري الذي نجح الحوثيّون ومعهم أنصار الرئيس صالح في فرضه على الرغم من الخسائر.

إذاً، إنّ فرص تحقيق وقف مُوَقّتٍ للنار في اليمن محسومة، لأنّ هذا الأمر سيُشكّل مدخلاً لإيجاد تسوية ما في الأسابيع القليلة المُقبلة. ومن شأن طبيعة هذه التسوية، والنقاط التي سيُسجّلها كل طرف من الأطراف المُتقاتلة فيها، أن يُعطي فكرة عن موازين القوى، وعن قدرة كل من الرياض وطهران على فرض أو عدم فرض شروطهما. وما ينسحب على اليمن اليوم، سينسحب على غيره من الملفّات في المدى المنظور.

وبالنسبة إلى المُفاوضات الإيرانيّة الغربيّة فهي بدورها دخلت مرحلة العدّ العكسي حيث أنّ نهايتها المُفترضة مُحدّدة في أواخر حزيران الحالي. وعلى الرغم من العَقبات التي تواجهها، فإنّ الإتجاه العام هو لنهاية إيجابيّة لهذا الملفّ في وقت غير بعيد، لأنّه بحسب المحُلّلين الغربيّين التوجّه العام هو لطيّ صفحة هذا الملفّ مهما تطلّب الأمر، في ظلّ إصرار لحلّ العقبات التي لا تزال تحول دون ذلك، ومنها بشكل مُقتضب:

أوّلاً: إشتراط طهران رفع العقوبات المَفروضة عليها بشكل فوري للموافقة على توقيع الإتفاق النهائي، وهو ما لا يُمكن حصوله بسبب إرتباط جزء كبير من العقوبات بالأمم المتحدة وبالإتحاد الأوروبي، ما يَستوجب آليّة مُعقّدة وتستغرق أشهراً لرفع العقوبات المُزمنة. وهذا أصلاً ما تريده الولايات المتحدة الأميركية، لمراقبة مدى إلتزام إيران بالإتفاق قبل رفع العقوبات عنها.

ثانياً: رفض القيادة الإيرانيّة التوقيع كتابة على إذن للدول الغربيّة يسمح بتفتيش مراكزها الحسّاسة والحيويّة ومراكزها العسكريّة، وهو المَطلب الذي تُصرّ عليه الولايات المتحدة الأميركية، إحتواء للمعارضة الداخليّة على الإتفاق، وإرضاء لأطراف عدّة ترفض التساهل مع إيران.

ثالثاً: إصرار واشنطن على عدم التساهل بالنسبة إلى شروط وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 %، والتعليق الفوري لنشاط محطّتي "فردو" و"آرك"، والسماح لمُفتّشي الوكالة الدَوليّة للطاقة بالقيام بزيارات مفاجئة للمراكز النوويّة في إيران.

لكن وبعيداً عن التفاصيل التي سترسو عليها الجولة الأخيرة من المفاوضات الغربيّة-الإيرانيّة، وبغضّ النظر إذا كان الإتفاق النهائي سيتمّ في نهاية الشهر الحالي، أمّ سيتمّ تمديد المفاوضات تقنياً لمزيد من الوقت، فالمنحى العام هو لإعادة إيران إلى المنظومة الدَوليّة كعضو فعّال بثقل إقليمي كبير وحضور دَولي، في مقابل إتفاقات إقتصادية مع عدد من الدول الأوروبيّة إضافة إلى روسيا والصين، وتبادل مصالح وتوزيع نفوذ على المستوى الإقليمي بين كل من واشنطن والرياض. ومع تبلور الإتفاق الإيراني-الغربي في المُستقبل القريب، ستتضح معالم المنطقة ككل، حيث ستبدأ عندها مفاوضات ما بعد الإتفاق بشأن الملفّ النووي، أي مفاوضات الملفّات العالقة في الشرق الأوسط ككل.

وفي الختام، لا يُمكن فصل النهايات التي ستبلغها الحرب في اليمن والمفاوضات مع إيران عن قضايا المنطقة ككل، فالترابط واضح، وطبيعة الإتفاقات التي سيتم توقيعها ستعكس بدون أدنى شك قوّة حضور الجهات المعنيّة الفاعلة إقليمياً. لكنّ هذا المسار الذي سيُحدّد مُستقبل المنطقة طويل وطويل جداً، لأنّ خطوة طيّ ملفّي اليمن والنووي الإيراني تُمثّل البداية وليس النهاية، ولأنّ الأوضاع في المنطقة مُرتبطة أيضاً بنهاية حرب سوريا وحرب العراق وغيرهما، وكذلك بنفوذ تركيا وإسرائيل وغيرهما أيضاً.