بخطّينِ متوازيَين لا يلتقيان، دخلَ وزيرا الداخليّة والعدل ​نهاد المشنوق​ و​أشرف ريفي​ الحكومةَ. بالعباءةِ نفسِها جاءا، وتحت السّماءِ الزّرقاءِ عينِها مشَيَا، وشمسَها رَسَما على العلمِ الأزرقِ، ولكِن لكلٍّ منهُما أفقًا وأبعادًا تشكّلُ نقيضًا يتجاوزُ التّمايزَ بأشواطٍ... إلى أنْ بانَ المستورُ للعيانِ بعد تسريباتٍ مشبوهةٍ لمشاهدَ مصوَّرَةٍ "بدماءٍ باردَة"، تنقلُ تعذيبًا لبعض المساجين، ولا يُعلَمُ فيها مَن الأكثرَ إيلامًا: الموقوفون المُشاكسون المُعذَّبون، أم نهاد المشنوق المُشاكِسُ ربّما وعلى "رأس السّطح"؟

شاكَسَ أوّلاً بإنهاءِ أسطورة سجن رومية وكتابةِ مرحلةٍ جديدةٍ خطّهَا المشنوقُ بيدِه، فأعاقَ إدارةَ تحرّكاتٍ إرهابيّةٍ "نائمة" وعطّلَ تواصلَها مع المجموعاتِ المتطرّفةِ الأُخرَى.

ومِن ثَمَّ شاكسَ في نقل السّجناء، من مبنى إلى آخر، مستندًا رُبّما إلى قرارٍ سياسيٍّ غَنِمَه على غَفلةٍ من الزّمَن... وقد أيقنَ وأعلنَ أنّ الأسرَى العسكريّين لدى "داعش" و"النّصرة" لن يتعرّضوا لمكروهٍ، لأنّ المشنوق حرصَ على عدمِ التعرّضِ للسّجناء، ولم يَرمِهِم حتّى بزهرةِ "فلّ"...

وشاكسَ أيضًا برهانِه وتسويقِه للحوار، أكانَ مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون حينَ حملَ إليهِ رسالةً في هذا الشّأن مِن رئيسِ الحكومة السّابق سعد الدّين الحريري في 14 كانون الثّاني الماضي، وقولِه أيضًا إنّ "الحوار مع حزب الله استراتيجيّ ولن نتخلّى عنه"... في وقتٍ يسعَى البعضُ في فلكِ تلك السّماء الزّرقاء، إلى إسداء نصائح إلى "الجنرال" بالإنكفاء عن الوطن والرّحيل مع مَن لفَّ لفَّه إلى سماءٍ أُخرى... وكذلكَ فإنّ هذا البعضُ يفطَر –قبل رمضان، أثناءهُ وبعدَه وحتّى إشعارٍ آخر– على التهجّمِ على "حزب الله" وإلحاق أخطاء البشريّة جمعاء به... كما شاكسَ حينَ رفضَ السّماحَ بالمزايدة عليهِ في الشّأن الإنسانيّ للسّجناء في رومية.

وفي "وزارةِ المشنوقِ" يقينٌ بأنّ الإرهابَ لا طائفة أو دين أو دولة له... وجهادٌ لعدمِ تركِ أيّ متّهم أو مطلوبٍ للقضاء لا في البقاع ولا في الجنوب ولا في الضّاحية مهما كانت طائفتُه أو انتماؤه السّياسيّ! وفيها أيضًا العلمُ الخبرُ بأنّ سلاح "حزب الله" جزءٌ من الاستراتيجيّة الدّفاعيّة، وليس جزءًا من الخطّة الأمنيّة.

وأخطأتَ وزارةُ المشنوقِ أيضًا حين علّقَت في 14 أيّار الماضي على محاكمة الوزير السّابق ميشال سماحة، فجاهرَت في تشديدِها على اعتبار القضيّة أمرًا قضائيًّا بحتًا، وعلى سعيِها إلى ألاّ يتكرّر ما حصل، وكيلا يُحاكَم اللبنانيّون بميزان غير موحَّد. فهل تجاوزَت وزارةُ المشنوقِ في ذلكَ حدودَها، ودخلَت "بالعرضِ" إلى دولةِ ريفي؟ دولةُ ريفي الّتي "لا تستطيعُ أن تقبلَ في إستراتيجيّتِها وجودَ دولةٍ ضمن الدّولة"، ولا مساومة في ذلكَ، و"نُقطة ع السّطر"... وصولاً إلى اعتبار أنّ "الحديث عن الاستراتيجيّة الدّفاعيّة أصبح من أدبيّاتٍ سابقة"...

ودولتُه شعارُها "يا جبل ما يهزّك ريح" تيمُّنًا بِمن "صَمَدَ سنتَين في السّراي لا يهمُّه شيء" وإنْ خلافًا للأصولِ، فيستحضرُ الوزير ريفي أمجادَ ذلكَ الصّمودِ في مجالسِه الخاصّة وعلنًا ربّما–إذا دعَتِ الحاجَةُ... في حين أعلنَت دولةُ ريفي حربَ الإلغاءِ على المحكمةِ العسكريّةِ، وتيمّنًا بما يراهُ ريفي مِن أصولٍ للمحاكمات...

وأمّا تزامُنُ عرضِ الأشرطَة في "ساحات الفِرجة" مَع الدّفعة الجديدة من "فضائح ويكيليكس" المركّزَة هذِه المرّة على الفلك اللبنانيّ وتداعيّاته، فيطرَح أكثر مِن علامةِ استفهامٍ، بخاصّةٍ وأنّ حديثَ الشّارعِ انتقل بسحرِ ساحرٍ من "فضائح ويكيليكس" إلى "فضيحةِ رومية"...

وكذلك ثمّة تساؤلٌ عَن مبرِّر مُسارعَةِ الوزير ريفي إلى اتّهام "حزبِ اللّه" بنشرِ الفيديو إلى أنْ أتاهُ الردُّ سريعًا من الوزير المشنوق: "اتّهامُك سياسيّ"، والكلمة الفصل لوزارتِك...

فإذا كانَ كلُّ ما تسرّبَ لُعبًا سياسيًّا، ففي مصلحةِ مَن يصبُّ؟ ومَن المتضرِّر منه؟ ومَن يُحاولُ "ضربَ أكثر مِن عصفور" بفيديو واحد؟ وهل يُحاولُ "حزبُ الله" الإيقاع بين "وزارة المشنوق" و"دولة ريفي"؟ أم أنّ العلاقة بين هذه الوزارة وتلك الدّولة "لا تهزّها واقفة ع شوار"؟

قد تجيبُ التّحقيقاتُ المُنتَظَرة عن كلِّ تلكَ الأسئلة، غيرَ أنّ السّياسةَ تحجبُ الحقيقةَ إمّا تَيمّنًا بالسّلمِ الأهليّ، أوْ رأفةً بالبيتِ الواحدِ المتهالِك.

لكنّ المتضرّرَ الّذي لا يحتاجُ إلى قرارِ القاضي لتحديدِ هويّته، هي دولةُ القانون!