كثيرة هي الأقليات التي نُكِّل بها خلال السنوات الأربع الماضية، فقد هُجِّر مئات الآلاف من المسيحيين والأيزيديين والشبك ولم يحرّك العالم ساكناً، وقد يتساءل البعض عن سر قوة الطائفة الدرزية التي جيّشت العالم بعد مجزرة "قلب لوزة"؛ من "إسرائيل" إلى أوروبا وصولاً إلى أميركا، وانهالت الضغوط على "النصرة"، وهرول أبو محمد الجولاني وأرسل اعتذاراً لدروز 48 في فلسطين المحتلة، وأعطيت الأوامر بعدم تكرار الاعتداء على المكونات الدرزية في سورية، وبشكل خاص في محافظة السويداء، رغم أنها بوابة العبور لـ"النصرة" إلى دمشق، والسر يكمن في دروز 48، الذين رغم كل الضغوطات "الإسرائيلية" لتدجينهم احتفظوا بخصوصيتهم، ورفضوا إملاءات الاحتلال ليس لأنهم من طائفة الموحدين، بل لأنهم موحدون، وأي اعتداء على فرد منهم هو اعتداء على الجماعة، والجماعة عندهم هي "دولتهم" الافتراضية التي تجمع شملهم ولو فرّقت بينهم تقسيمات الكيانات السياسية، وهنا لا بد من التنويه بحسن تدبير الشيخ أمين طريف، الذي كان المرجعية الأعلى لدروز 48 في فلسطين، وأورث من خلفوه من "الأجاويد" نهج حياة الجماعة الدرزية تحت الاحتلال "الإسرائيلي" بعد رحيله عام 1993.

وللباحث عن سر الدولة الافتراضية للدروز، وقدرة أركانها على عبور الحدود واستنهاض الدول الغربية عند كل مفترق طرقٍ خطير، فليبحث عن قوة دروز 48 ومدرسة الراحل الشيخ أمين طريف في إدارة شؤونهم كأقليات، وإذا كان دروز لبنان يفاخرون بلبنانيتهم ودروز سورية بإرث سلطان باشا الأطرش ودوره القومي في مقارعة الاحتلال والانتداب، فإن دروز فلسطين المحتلة يُطلقون على أنفسهم تسمية "الدروز العرب"، لأنهم مجتمع متجانس موحد، ولأنهم لم يتلوّثوا بالدخلاء من أصحاب النزعات والنزاعات السياسية والحزبية، ولم يندمجوا ضمن "القوى والفصائل الفلسطينية"، بل بقي مجتمعهم الآمن جزءاً من النسيج الاجتماعي الذي يعطي لـ"إسرائيل" اليهودية صورة "إيجابية" أمام العالم عن التنوع العرقي والديني ضمن كيانها، وهذا هو السر الكبير لقوة الموحدين الدروز، كونهم ضمانة لسمعة "إسرائيل" ومجتمعها "العادل" في قبول الآخر، إلى جانب الحزام الأمني المسالم لها في الجولان، ليس من منطلق ضعف الدروز، بل من منطلق حكمتهم في الحفاظ على أمن مجتمعهم، مادام تغيير واقع الاحتلال "الإسرائيلي" مستحيل في ظل الضعف العربي، وانتفاء الرغبة العربية في مقارعة هذا الاحتلال، وضياع الشعب الفلسطيني في صراعات ومهازل بعض "القوى والفصائل" التي لا تناضل سوى بالكلام الممجوج منذ عشرات السنوات، وما زالت.

وسواء بقي دروز جبل السماق بأمان تحت وصاية "النصرة"، أم تم تهجيرهم دون إهدار نقطة دم للالتحاق بأخوتهم في السويداء، ضمن ما يُرسم لسورية من تقسيمات، وسواء بقي دروز السويداء في محافظتهم أم لجأ بعضهم إلى الجولان، فإن "الدولة الدرزية" ستكون خطاً أحمر ممنوع المساس بسلامة أهلها، لكن بشرط؛ أن ينكفىء النائب وليد جنبلاط عن الدفاع عنها، لأن حساباته الشخصية الضيقة كمدافع عن حقوق الدروز لا توازي شيئاً أمام تعاليم الشيخ أمين طريف، وزيارات جنبلاط إلى الأردن وسواها ليست أكثر من بروباغندا تؤذي الدروز أكثر مما تفيدهم.

مشكلة النائب وليد جنبلاط منذ زمن بعيد هي في حلمه الدائم بـ"الكنتنة"، وإقامة دولة درزية في السويداء أو سواها سيمهد له الطريق لإعلان الكانتون الدرزي في الجبل اللبناني، لكن دروز لبنان لا يعنون شيئاً للأمن الإقليمي، وأمن "إسرائيل" بالذات، ليكون كانتونهم موضع ترحيب، ثم إن الكانتون الدرزي مرفوض وممنوع في لبنان، لأن تقسيم لبنان هو من المحظورات، ولا بد من تذكير النائب جنبلاط باستحالة قيام كانتون درزي في لبنان، لأنه عندما توترت علاقته ببعض شركاء الوطن على خلفية تقلباته السياسية، لم يعد بإمكان الشباب الجامعيين من الدروز النزول إلى مجمع الكفاءات، والجبل الدرزي مطوّق بجيران من التنوع الطائفي الرافض للتقسيم ولبدعة الكانتونات، ثم إن ميل السيد جنبلاط الى إقامة كانتون درزي مرفوض درزياً من منطلق استحالة العيش فيه، ونذكر بقول للراحل أنور الفطايري في نهاية السبعينات حين قال: تتهموننا بمحاولة إقامة كانتون درزي، فكيف لنا أن نفعل ذلك ونحن لدينا طبيب بنج واحد من أبناء الطائفة؟!