لم تقتصر خسائر الحرب الدائرة رحاها في سوريا، على الاقتصاد والعمران، بل وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا متمثلة بالخلافات داخل العائلة واحدة، حيث حمل الأخ السلاح بوجه أخيه، على خلفية وجهات النظر والآراء المتضاربة بين مؤيدي السلطات والمعارضين الناقمين عليها.

رواية الشقيقين، مرهف ومدين زين الدين الخطيب، هي واحدة من عشرات الروايات التي لم تُكشف بعد، وهي نموذج واضح لما آلت اليه المعارك والصراعات في سوريا، بحيث ان نار الإنقسامات لم تعد حكرا على الطوائف أو المناطق، وإنما شقت طريقها بقوة نحو البيت الواحد، فإنشطرت العائلات بين أبنائها المنقسمين في مواقفهم.

أصل الحكاية مدينة تلبيسة في ريف حمص، والتي تصدرت واجهة الأحداث السورية منذ ربيع عام 2011، فالشقيقان الخطيب ينتميان إلى هذه المدينة، وهما ضابطان في الجيش السوري، يحمل كل منهما رتبة ضابط، إنشق مدين، وأعلن إنضمامه للجيش السوري الحر، فيما تمسك مرهف بالإستمرار ضمن صفوف الجيش السوري، لمقاتلة "العصابات الإرهابية"، كما كان يقول عنها.

لم تنفع مناشدة الأخوين لبعضهما البعض في تبديل موقفهما، فمدين كان يطالب مرهف بالإنشقاق عن الجيش، بينما تمسك الأخير برأيه، مناشدا شقيقه بالعودة إلى الجيش الذي إحتضنهما سويا لمقاتلة الارهاب، ولكن لحظة الإفتراق الحاسم قد حانت، بعدما وقف بعض افراد العائلة إلى جانب الشقيق المنشق، معلنين تبرؤهم من مرهف نتيجة رغبته في القتال إلى جانب الجيش السوري.

تنقل الضابط السوري بين عدة مناطق في سوريا، حيث خدم في صفوف الحرس الجمهوري، ونال عدة القاب، كأسد الحرس وقناص الحرس، شارك في معارك دوما بريف دمشق، ثم نُقل إلى حلب حيث قاد قواته في حي صلاح الدين والصاخور، ليتم إنتدابه بعد ذلك إلى الرقة وتحديدا الفرقة 17، ولكن بعد سقوط الفرقة بيد تنظيم داعش، تمكن من الإنسحاب والتوجه إلى الحسكة، بينما كان الضابط المنشق يشارك مقاتلي الجيش الحر في المعارك ضد الجيش السوري في تلبيسة بريف حمص الشمالي.

في أوائل الشهر الحالي، سقط مرهف الخطيب في الحسكة بعد مواجهات عنيفة مع تنظيم داعش الذي حاول التقدم في المدينة، وقد دُفن في اللاذقية، نتيجة عدم رغبة عائلته باستقبال جثمانه واقامة مراسم العزاء له في المدينة، في حين تقول المعلومات ان شقيقه لا يزال يقاتل في صفوف الجيش الحر.

كتبت معارك الحكسة نهاية حياة الضابط مرهف زيدان، لكن الإنقسامات التي مزقت المجتمع السوري تكبر أكثر فأكثر مع مرور الأيام وتتوسع رقعتها، ووسط عجز داخلي عن وضع حد للحرب، يتحمل العالم مسؤولية نزيف الدم المستمر، خصوصا ان المسألة السورية باتت خاضعة للتجاذبات الدولية، فهل ان الجميع لم يعد يقيم وزنا للأرواح التي تُزهق، أم ان الخطة المرسومة لم تنته بعد، وبحاجة إلى مزيد من الدماء؟