يُتداول كثيراً في الأوساط السياسية تحليلات سطحية ومعمَّقة حول ما اصطُلح على تسميته بـ"داعش"، وهل هي بالفعل صنيعة أميركية، أم أنها حركة تنامت في المجتمعات الإسلامية واستُغلّت من قبَل الإدارة الأميركية من قبيل تقاطع المصالح بين الجهتين على عدو مشترك؟ أم أن واشنطن تكنّ العداء المطلق لهذه الحركة، كما تدعي في إعلامها، غير أنها لا تقاتلها إلا حين تعرُّض مصالحها للخطر؟

المدقق في مجريات الأمور على الساحتين السورية والعراقية يصل إلى الاستنتاج الآتي:

لقد عملت الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً من خلال السجون التي أنشأتها في العراق، على تدريب بعض العناصر ممن تحوّل إلى قيادات لـ"داعش" في المستقبل، وذلك من أجل إطلاقهم وتشكيل هذه الحركة، وقد أمّنت أميركا لهذه الجماعات كل الدعم اللازم، من خلال مفاتيح استخباراتية لها داخل الحكومة العراقية، لتقوية هذه الحركة وتوفير الإمكانات اللازمة لها، من خلال الاستسلامات غير المنطقية لعدد كبير من المحافظات والثكنات، ما أتاح لهم الاستيلاء على مخازن ضخمة من السلاح، كانت العتاد الذي قاتلت وتقاتل به حتى اليوم.

وأرادت واشنطن أن تكون هذه الحركة السبب في إسقاط النظام في سورية، وتعميم الفوضى هناك، وحيث إن هذا الأمر يحتاج إلى نقطة انطلاق، وفّرت لها مساحات واسعة في العراق، ورسمت لها حدوداً يجب ألا تتخطاها على الأراضي العراقية، وأطلقت يدها في الأراضي السورية، بدليل تدخُّل الولايات المتحدة الأميركية عندما حاولت "داعش" التمدد باتجاه المناطق الكردية في أربيل، فقصفتها بالطائرات، فإذا ما عادت إلى مناطق تواجدها المسموح لها به، تركتها، وكما قال أحد قادة الجيش إن 79% من طائراتنا تعود دون إلقاء حمولتها من القذائف، ما يعني أن كذبة التحالف الدولي إنما هي مجرد إعلان لواقع فارغ لا قيمة له.

وهي ضربتها أيضاً عندما دخلت إلى عين العرب "كوباني"، من خلال الضغط على تركيا لإدخال البشمركة، لأن هذه المنطقة في المخطط الأميركي هي حصة الأكراد؛ لا يُسمح لـ"داعش" بالدخول إليها.

باختصار، الولايات المتحدة الأميركية ساهمت في إخراج هذا المنتج الوحش الذي سموه "داعش" ليقوم بمهمة مرسومة مسبقاً، وهي:

1- القضاء على الحكومة في سورية، وإدخالها في الفوضى لإسقاط محور المقاومة بإسقاط داعم أساسي له وهي سورية.

2- العمل على تأمين سيطرة على مناطق السُّنة، لتكون هذه المناطق هي "الدولة السُّنية" في المستقبل المرسوم للعراق من خلال التقسيم.

3- الدخول إلى مناطق أخرى في ليبيا والجزائر وتونس، وغيرها، من أجل إشاعة الفوضى التي لا تساهم في بناء دولة؛ مقدِّمة لتقسيم هذه الدول.

كل ذلك يعني أن الولايات المتحدة الأميركية عندما تضرب "داعش" فليس لأنها ضدها، بل لأن "داعش" تخطّت المرسوم لها في المخطط الأميركي، وعندما تتركها تفعل ما تريد في مناطق النفوذ المسموح لها فهي ليست معها، بل تعتبرها وحشاً يحقق مآربها.

ما نتمناه أن يقوم هذا الوحش بافتراس مُنتجِه، وقد بات قريباً من خلال العمليات الإرهابية في أكثر من منطقة في العالم.