لم اعتد يوماً ان تتضمن مواضيعي وكتاباتي كلمات كمثل التي سوف استعملها في هذا النص وهي من طراز "بائعة هوى". فالتعبير نفسه ينضح بما يحمله من خفة وتحطيم لمعنى هذه الكلمة (1). فالعشق لا يباع لانه من درجات الحب الكبرى، فاذا كان الحب لا يباع فكم بالحري يكون العشق.

ولكن، ومع عدم اعتيادي على استعمال مثل هذا التعبير، الا انني لم اجد فعلاً حالة تصف العلاقة التي تربط الاعلام الالكتروني بالمسؤولين في لبنان على اختلاف اهتماماتهم ومناصبهم سوى بعلاقة "الزبون" مع بائعة الهوى. اما سبب انطباق هذا الوصف فيعود الى الاسباب التالية:

- يعلم المسؤولون تماماً ان وسائل الاعلام الالكتروني فرضت نفسها وبقوة على الساحة، وباتت في متناول كل شخص يملك هاتفاً خلوياً او جهاز كمبيوتر. فهذه الوسائل تضمن ايصال الخبر بسرعة شبه آنية، ولا حاجة لها لانتظار وقت محدد للصدور او للبث (كاخبار التلفزيون او الاذاعة او الصحيفة) وتصل لاكبر عدد ممكن من الناس في اي مكان في العالم واينما وجدوا عبر خدمة تلقي الخبر. وهم يعلمون تماماً ان انضمام وسائل الاعلام التقليدية (مرئية ومكتوبة ومسموعة) الى الاعلام الالكتروني لم يكن عبثاً، بل خطوة لمواكبة التطور ومطالب الناس.

- دائماً ما يرغب المسؤول (في لبنان) ابقاء علاقته بوسائل الاعلام الالكترونية "بعيدة عن الاضواء"، حتى حين يتولى تمويلها والصرف عليها، يحاول قدر الامكان الا يعلم الناس انه هو مرجعيتها كونه يتحكم بتمويلها، وبالتالي هو صاحب قرار مدها بالاوكسيجين او قطعه عنها. اما بالنسبة الى وسائل الاعلام التقليدية الاخرى (صحف، تلفزيون، اذاعات...) فلا مانع عنده من نشر الخبر انه هو من يقف وراءها!

- "يتقاتل" المسؤولون في لبنان لتسريب خبر او نشر خبر على وسيلة اعلامية الكترونية، ويجادلون القيمين على المواقع والصحف الالكترونية على مكان وضعه وما اذا كان يجب ارساله عبر خدمة تلقي الاخبار، حتى ان البعض يوصل رسالة لا لبس فيها انه مستعد لدفع مبالغ مالية مقابل الخبر الذي يرغب في نشره. ولكنهم حين يسالون عما اذا تابعوا خبراً ما عبر ​الصحافة الالكترونية​، غالباً ما يجيبون بالنفي لان لا وقت لهم لمتابعة هذه الوسائل. ولكن سرعان ما تنكشف "كذبتهم" حين تنشر هذه الصحافة نفسها خبراً عنهم لا يناسب مصالحهم، فتنهال الاتصالات بعد لحظات فقط، منهم شخصياً او من مستشاريهم و"قريبين منهم" على القيمين على الموقع او الصحيفة الالكترونية لسحب الخبر او يصدرون نفياً بعد دقائق قليلة على انتشار الخبر، ليؤكدوا بشكل قاطع انهم متابعون "وبتواصل" لاخبار الصحافة الالكترونية.

- يستخف المسؤولون بالاعلام الالكتروني بشكل رسمي، فلا يعترفون به ضمن وسائل الاعلام التقليدية، الا في ما خص العقوبات، فعندها يصبح الاعتراف به سريعاً ويتحرك القضاء و"تقوم القيامة". وحين يتعرض زملاء في مهنة المتاعب لاي حادث او اعتداء، يمر الامر مرور الكرام ولا يأخذ الامر حجمه، فكأن من تعرض للحادث او الاعتداء هو "متعد" على المهنة وليس من خريجي كليات الاعلام ولا يمارس مهنته بشكل كامل وفق شروط عمل اصعب بكثير من غيرها.

ايها المسؤولون، ليس الاعلام الالكتروني "دخيلاً" على المهنة، وليس ذنبه انه متطور الى درجة لا يمكنكم استيعابها كونكم لا تزالون تعيشون في قرون غابرة لم تعهد هذا النوع من الاعلام. وربما حان الوقت ان "تحمّلوا" Download تطبيقاً يسمح لكم بمواكبة التطور العلمي وبالاخص على صعيد الاعلام الالكتروني.

لا يمكنكم بعد اليوم ابقاء علاقتكم بهذا النوع من وسائل الاعلام محكوماً بعلاقة "الزبون" وبائعة الهوى، حيث تعمدون الى اخفاء العلاقة حين ترغبون، وتحاربونها حين تتكلم وتفضح، وتتساهلون الى حد اللامبالاة حين تتعرض لحادث او اعتداء.

واذا ما قررتم الاستمرار في هذه العلاقة، فاحذروا، لانه لن يطول اليوم الذي ستنتفض فيه وسائل الاعلام الالكتروني وتطالب بحقها بكل ما تختزنه من غضب و"حرقة" من ظلم لم تستحقه يوماً.

(1) معنى كلمة الهوى: العشق، الميل، ميل النفس الى الشهوة. كما هناك الهوى العذري ومعناه العفيف المتّسم بطابع مثالي صرف.