اعتبر السفير الفرنسي في لبنان ​باتريس باولي​ إن "هناك تعباً دولياً من لبنان وأزمته، وأن دور المجموعة الدولية هو تسهيل معالجتها ولا يمكننا الحلول مكان اللبنانيين في ذلك"، متسائلاً عن الذي "يمنع القادة المسيحيين من أن يجتمعوا ويتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية؟".

وشدد باولي خلال تحدثه عشية العيد الوطني الفرنسي، اليوم، إلى مجموعة صحافيين عن تقويمه لـ"شرف الخدمة" في لبنان على أن "المجتمع الدولي ليس ضامناً لاستقرار لبنان بل إن جيشه وقواته المسلحة هي التي تضمنه"، مضيفاً أن "كل دبلوماسي فرنسي يشعر برضا مميز نتيجة خدمته في لبنان، ومن أسباب ذلك، النقاش المفتوح مع الناس هنا في كل المناطق ومن كل الاتجاهات السياسية وكثافة العلاقة مع الأوساط التعليمية والثقافية والفنية والمجتمع المدني".

وسجل باولي سلبية لمسها هي صعوبة التفاهم بين اللبنانيين، قائلاً: "شعوري أن النظام السياسي ليس مبنياً من أجل صناعة قرارات وتوافقات. بل هو قائم على السماح لكل فريق بأن يسيطر، وإحباطي الرئيس يتعلق بعدم قدرة الماكينة اللبنانية والجهاز السياسي الدستوري على إنتاج قرارات سياسية".

في تقويمه للنجاح أو الإخفاق، نفى أن "يكون مدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية جان فرنسوا جيرو سيزور لبنان"، مشيراً إلى أنه "سيتسلم منصباً جديداً قريباً، كما نفى أن يكون فشل، وقد تكون لدي خيبة لكن ليس حيال ما قمنا به لأن دورنا ليس أن نأخذ دور اللبنانيين في القرارات. لم نتخيل يوماً أننا سنحل كل شيء، على رغم أن هناك توقعات مبالغاً بها من أصدقائنا اللبنانيين، الذين يسألونني إذا كانت لدينا مبادرة واقتراحات".

وأضاف: "نحن أصدقاء لبنان ومسهلون وفي حوار دائم. لكن اليوم إذا سألتم في الاتحاد الأوروبي أو في مجلس الأمن عن لبنان ستكتشفون تعباً من لبنان. نحن الفرنسيين اهتمامنا متواصل. لكننا لم نتخل يوماً، وسنتابع الحوار وسنقول الحقيقة، ومسؤوليتنا أن نشارك أصدقاءنا اللبنانيين قناعاتنا. ولم ندع أنه يجب الأخذ بها".

وقال أن "دور فرنسا المسهل ثلاثي الجوانب: دولياً حيث لعبت دوراً في قيام مجموعة الدعم الدولية للبنان، لتحريك مجلس الأمن وآخر بيان للمجموعة في 19 آذار الماضي وفي الاتحاد الأوروبي أيضاً، وإقليمياً حيث التقينا كل الدول التي لها علاقات ومعارف ونفوذ ولا سيما السعودية وإيران، والبعد الثالث هو اللبناني، سنواصل جهودنا لكن ليست لدينا توقعات مبالغ بها"، مشيراً الى انه "التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ولاحظ معه أنه ليس هو الذي ينتخب الرئيس وليس نحن، على السياسيين اللبنانيين التفاهم، ليست القضية قضيتنا. قد نكون تمنينا أن تكون قناعاتنا مثمرة أكثر".

وأكد أن "فرنسا تريد أن تعمل المؤسسات وليس لدينا دروس لنعطيها لأحد. وعندما تكون هناك مؤسسات لا تعمل لا نستطيع نحن أن نعمل. قد لا يكون الاستقرار مهدداً بذاته لكن الوضع ليس جيداً لأن المؤسسات مشلولة وهناك شغور رئاسي وحكومة تجد صعوبة في العمل كما حصل الخميس الماضي وبرلمان لا يجتمع، وإدارة تخضع لنتائج كل ذلك وتعمل بصعوبة".

وعن المظلة الدولية لحماية لبنان قال: "كثيراً ما يسألني اللبنانيون عن توافق دولي على حماية الاستقرار. لكن نحن لا نستطيع أن نضمن استقرار لبنان لأنه قيل أن هناك مظلة، فهي لا تضمن المخاطر الداخلية ولا الخارجية، كفرنسيين لدينا مسؤولية في قوات الأمم المتحدة في الجنوب بحدود الإمكانات. لا يمكن القول إننا في وضعية ضمان الوضع، نتمنى ذلك. استقرار لبنان يضمنه الجيش اللبناني خصوصاً وقوى الأمن الداخلي، هذا لم يكن قائماً في 2005. فهو منتشر في كل الأراضي وصولاً إلى حدود الجنوب، ودورنا مساعدة القوات المسلحة. ومن هنا برنامج المساعدة الفرنسية - السعودية".

وشدد رداً على سؤال، على أنه "من المؤكد أن هذا البرنامج مستمر. هناك التزام فرنسي - سعودي أكده ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، وأخيراً كانت زيارة لولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لباريس ونستجيب لمطالب لبنان،ولسنا وحدنا الذين نساعد، بل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية أيضاً"، مضيفاً "كانت هناك إشاعات ونحن نرد في كل مرة بأن الأمور تتقدم. أؤكد اليوم من دون أي لبس أن برنامج تسليم الأسلحة للجيش اللبناني، الذي سيستغرق سنوات يسير في شكل طبيعي. والدفعة الثانية ستسلم قريباً".

وعن التحركات الأخيرة لرئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون من أجل حماية حقوق المسيحيين، قال: "أنا لا أدعم هذا الفريق أو ذاك، ليس هذا دوري، في المقابل نشارك اللبنانيين وسكان المنطقة قلقهم على مصير الأقليات ومسيحيي الشرق، لا سيما إزاء ما حصل في العراق وفي سوريا، كما هي حال المسيحيين والأيزيديين وأقليات أخرى".

وذكر بدور فرنسا في طرح حماية الأقليات على مجلس الأمنمشيراً الى إن "وسائل الحماية الممكنة ثلاث: استقبال الناس عندنا، لكن هذا يشجع المسيحيين على الهجرة فيما نعتقد أن مكانهم في بلدهم، إرسال الجيش ولا قدرة لنا على القيام بذلك ولا تفويض دولياً، أما الوسيلة الثالثة فهي أن تسمح الدولة القائمة بحرية الأقليات وحمايتها"، لافتاً الى ان "هذا كان موقفنا التاريخي منذ حصلت اعتداءات في الإسكندرية وبغداد، بأن نطلب من مصر والعراق ضمان حماية حرية المعتقد وأمكنة العبادة الحل المفتاح، نساعد إذا طلبت الحكومات لكن لا نحل مكانها، في سوريا، الوضع مأسوي ومعقد جداً".

وأضاف: "أما لبنان، فليست فيه أكثرية، بل مجموعات دينية، بحجم متساوٍ تقريباً، المسيحيون، الشيعة، السنّة والدروز وغيرهم من الأقليات. هم مجبرون على التفاهم ولا أحد قادر على الانتصار على الآخر والمفتاح هو التوصل إلى ميثاق داخل حدود لبنان، والحل أمامنا كما ظهر في اتفاق الطائف، لبنان يحتاج لاتفاق سياسي، وميثاق حول المؤسسات".

وعن تظاهرات مناصري عون قال: "مبدئياً أنا مع حق التظاهر، إلا إذا كانت التظاهرات عنيفة أو لهدف مناهض للمبادئ الجمهورية، لكن هل ستسمح بحصول تقدم؟ شعوري أنه لم يحصل نقاش حول الأمر، أنا لا أعلن موقفاً ضد أو مع، إنه حق لحزب سياسي ولمواطنين وليس لي أن أعلّق على تظاهرات الخميس. أكتفي بتأييد مبدأ التظاهر الذي يجب احترامه، بالنسبة للحكومة نحن ندعم المؤسسات وليس لنا أن نقول إذا كانت قراراتها جيدة أو سيئة".

وأكد باولي أنه "كنت آمل إحراز تقدم في ملفات المساعدات الفرنسية لمشاريع، لم تخرج للنور للأسف لقصور في قرار السلطات والمؤسسات اللبنانية. سنلغي قرضاً بقيمة 46.5 مليون يورو لبناء مدارس، وفي آخر العام الماضي ألغينا قرضاً بـ 70 مليون يورو للكهرباء"، مضيفاً "كنا ألغينا قبلها 115 مليون يورو لقطاع الاتصالات. المقرض يحتاج لتلبية شروط وكنا نحتاج لدفتر شروط للتلزيم وأن يتم التصويت في البرلمان عليه، الشلل في المؤسسات وقواعد اللعبة اللبنانية جعلت الأمور تتعطل، أسفي الوحيد أني أغادر من دون وجود رئيس للجمهورية".

وعما إذا كان يفهم الأزمة اللبنانية على أنها سياسية أو دستورية أو أزمة نظام قال: "إنها أزمة سياسية وتمكن ترجمتها كما تريدون. فيها العامل الداخلي والإقليمي، والدولي الذي هو ضعيف وبالتالي العامل الإقليمي أهم لأنه أثقل دائماً على لبنان، من دون أن يعفي رجال السياسية اللبنانيين من مسؤوليتهم، النظام اللبناني يعطي ضمانات لكل فريق كي يتمكن من حماية نفسه من أي إساءة استغلال للسلطة، وهذا يقود إلى تعطيل وهناك مسألة النصاب. لم أسمع بهذا القدر حسابات حول الثلثين والثلث المعطل والوزير الملك والصوت التاسع"، مضيفاً "الدستور لا يلحظ إلزاماً بنصاب الثلثين لانتخاب رئيس، إلا للاقتراع الأول ، حيث على الرئيس أن يحصل على الثلثين، لكن في الدستور ليس هناك ما يقول بوجوب تأمين النصاب بالثلثين، هذا أمر أنشأه السياسيون اللبنانيون حتى تكون هناك ضمانة، هذه إضافة، فينتقل النظام هكذا إلى التعطيل. وحين يكون هناك تفاهم كما حصل في أول 3 أشهر بعد تأليف الحكومة اتخذت قرارات. لكن ما إن يحصل خلاف، فإن كل الوسائل والأقفال موجودة لتعطيل القرارات. ونادراً ما رأيت قاعدة تسهل اتخاذ القرار".

واوضح اننا "كفرنسيين ليس علينا أن نقول ما هو جيد دستورياً أم لا، أُمنيتنا أن تعمل المؤسسات. أن نقول أنه تجب إعادة النظر بالدستور؟، هذا يقرره اللبنانيون، فهو ينص على آلية انتخاب رئيس للجمهورية، وهي أن على النواب انتخاب الرئيس"، مشيراً الى إنه "لم ير بلداً حيث كل الناس الذين التقيتهم معهم حق، لكن ليس هناك شخصان يفكران بالطريقة نفسها"، معرباً عن اعتقاده بأن "هناك نقصاً في الحوار والثقة بين القوى السياسية، وبينها وبين المواطنين، لكن أيضاً في داخل الأحزاب السياسية والمشكلة ليست بين 14 و8 آذار، بل داخل مجموعة. ولا أنتقد بل آسف، والمشكلة أنه لا انتخابات لأن البرلمان مدد لنفسه".

وعن توقعاته للاتفاق على النووي، ذكر باولي بأن "بلاده كانت بين الدول التي أطلقت الحوار مع إيران"، متمنياً "اتفاقاً صلباً سيكون له تأثير حكماً أولاً في إيران نفسها ثم عموماً سيقود إلى استرخاء بالنسبة لبلد معزول نوعاً ما"، مضيفاً "لا أرى أن الاتفاق سينتج آثاراً فورية إقليمياً. والمرشد خامنئي نفسه يفصل الاتفاق عن خيارات إيران الإقليمية الاستراتيجية، ولا يجب انتظار نتائج إيجابية سريعة، ونحن مع الاتفاق وسنقول لمن ضده، أننا معه، لأنه عندما يحصل فلأنه سيكون مرضياً لنا"، مؤكداً أن "الوصفة للبنان هي الاتفاق بين الطوائف الثلاث الأساسية، نحن مع الحدود الدولية واستقرارها، بالنسبة للبنان حدوده جاءت خارج إطار اتفاقية سايكس بيكو".

وعن حوار السفارة مع "حزب الله" أوضح "أننا لسنا مع تدخلهم في سوريا وقلنا لهم ذلك، لدينا خلاف مع الحزب حول امتلاكه السلاح بموازاة سلاح الحكومة. استخدام القوة يجب أن يكون في إطار المؤسسات: الجيش والشرطة والمؤسسات".

ورفض القول أن "الرئاسة اللبنانية مرتبطة بالأزمة السورية"، معتبراً أنها "متصلة بعوامل داخلية وإقليمية، وإذا أراد الفرقاء اللبنانيون التفاهم فهم يستطيعون. تجاوز جزء من الطريق لانهاء التعطيل، لنتصور أن القادة المسيحيين الأربعة اجتمعوا لأن الرئيس مسيحي وعليهم مسؤولية مميزة واقترحوا ما يحدث تقدماً. ماذا يمنع ذلك؟، هل هم مجبرون على اتباع نصائح حلفاء الخارج؟، ما يحصل أنه يتم الاختباء وراء الوضع الخارجي. هناك إمكانية للتفاهم، لا نرى سبباً لعدم تصويت النواب على الرئيس، يجري التصرف على أنه ليست هناك مخاطر. وقلنا للنواب: اذهبوا واقترعوا".

وعن إمكان تغيير اتفاق الطائف، أكد باولي أنه "ميثاق يشكل مكوناً للدستور ودعمناه باعتباره نتاج عمل الجامعة العربية، لأنه أنهى الحرب الأهلية وعنصر توازن بين الفرقاء، ليس صحيحاً أننا مع تغيير الطائف، لا نقترح ذلك. إذا أرد اللبنانيون فهذا شأنهم. لن نقول للفرقاء غيروا ميثاقكم".

في ما يخص الأزمة السورية قال أن "لا أجوبة جميلة لدي، حاولنا إيجاد حل وكنا على استعداد للمشاركة في ضربة عسكرية ضد استخدام السلاح الكيماوي فوجدنا أننا معزولون. اصطدمنا برفض روسي لتحريك المجتمع الدولي. سنواصل جهودنا. ربما يمكن القول إننا لم نقم بما يكفي لكن ليست لدينا عصا سحرية".