اكثر من قرن وعشر سنوات هو عمر كنيسة النبطية وتألقها من عام الى اخر جعلها مزارا لأهالي الحي المسيحي في النبطية وملتقى لابناء المدينة في الاعياد والمناسبات الدينية حيث يتجلى العيش المشترك بأبهى حلله ومعانيه.

يقابل صليب الكنيسة في النبطية هلال الجامع المواجه في أعلى حي المسيحيين في المدينة الجنوبية، فتتعانق الصلوات لتبتهل الى الخالق، ويتجسد مجد الأديان وعظمة الله على أرض ما هانت ولا لوت عزيمتها امام مستعمر او محتل، بل كانت اليد تعانق الاخرى وأجراس الكنيسة تقرع في وقت يهلّ صوت الجامع مكبرا. وهنا كان التكاتف والتعاون حتى كانت اناشيد وقداديس التجاوب الروحي مع النداءات الوطنية ليبقى الوطن شامخا بقوة ومؤازرة بنيه في المضي على درب العظمة.

من الحلم إلى الواقع..

ابصرت عشية القرن العاشر بعد الالف كنيسة سيدة الانتقال العجائبية للروم الكاثوليك في النبطية، النور، في موقع جميل يقع على منحدر وسط المدينة ومطلة على باقي الاحياء، وكان لتكاتف ابناء الرعية وتعاونهم مع بعضهم الدور الاول في تأسيس المدماك الاول لهذا الصرح الديني التاريخي، ورفع البناء حجرا حجرا بطراز بيزنطي الى ان اصبح قلعة من قلاع الجنوب الوطنية.

وهنا، يقول مختار حي المسيحيين في النبطية راشد متى لـ"النشرة": "لقد جاءت فكرة انشاء كنيسة سيدة الانتقال في النبطية في العام 1855 بعد ان كانت عبارة عن غرفتين وقبو فسيح في مقر لاقامة الشعائر الدينية وتعاقب على خدمتها انذاك الاباء بطرس النحاس ويوسف الخواجا، وفي العام 1898 ادرك المسيحيون في مدينة النبطية ضرورة وجود كنيسة جديدة تستوعب ازديادهم في المدينة وفي القرى المجاورة وتليق بعلاقاتهم وتكون بمثابة تكريم لسيدة الانتقال ولعجائبها التي تحققت على مدى عدة سنوات"، ويضيف: "تحرك المسيحيون عندها واتصلوا من خلال راعي ابرشية صيدا المطران باسيليوس الحجار بالسلطات الدينية وكانت ولادة كنيسة سيدة الانتقال التي توسعت لتحقق حلم اهالي حي المسيحيين نحو الانفتاح والتواصل مع الجيران".

ويذكر متى كيف تم العمل مع اهم المهندسين المعماريين في المنطقة وهما الحاج يعقوب عزام ومخايل عزام. ويقول: "اخذت مداميك الكنيسة ترتفع شيئا فشيئا وكان للاعمال التطوعية لاهالي الحي من الرجال والنساء الجزء الاساسي في عملية التشييد التي استمرت ما يقارب الثلاث سنوات ـ لتصبح بعدها الكنيسة حقيقة بعدما كانت حلما ودشنت بقداس احتفالي شارك فيه كهنة المناطق".

ثلاثة أقسام رئيسية

يبلغ طول الكنيسة من الخارج 23 مترا وعرضها 12 مترا وعلوها من دون القبة ما يقارب الـ 7 امتار، اما قبة الجرس فهي من الحجر وتعلو 6 امتار عن سطح الكنيسة من الخارج، اما من الداخل فيبلغ ارتفاعها 20 مترا ونصف المتر وعرضها تسعة امتار و40 سنتمتر، والجرس من صنع السيد داود الياس نفاع الذي ما زال اسمه واضحا عليه حتى يومنا هذا.

تعرضت القبة حسب المختار متى في زلزال 1956 الذي ضرب المنطقة لبعض التدمير وجرى ترميمها لاحقا، متحدثا عن سقف الكنيسة من الداخل الذي يأتي بشكل قناطر، اما طول مذبحها فيبلغ مترا واربعين سنتمتر ويعلو مترا واحدا عن الارض، وللكنيسة مدخلان شمالي لدخول الرجال وغربي للنساء وتنقسم الى 3 اقسام:

- قدس الاقداس "حيث يقوم الهيكل الكبير".

- الخورس "حيث يقف المرتلون".

- الباحة المخصصة للمؤمنين والتي يفصلها عن قدس الاقداس جدار حجري له ثلاثة ابواب هي:

- الوسطي المؤدي الى الهيكل الملوكي ويعرف بالباب الملوكي.

- الايسر الذي يؤدي الى يؤدي الى المذبح الصغير حيث تقام الهيئة.

- الايمن المؤدي الى المذبح حيث بيت القربان.

رعى الكنيسة في ايام اعوامها الاولى الخوري يواكيم بحوت الى ان وافته المنية 1904 ليستلم مكانه الارشمندريت اثناسيوس الصايغ حتى العام 1971 وبعدما انهكته الشيخوخة استدعى ابن شقيقه الاب نقولا الصايغ من دير المخلص وبعد عامين اسلم الروح واقيم له حفل تأبيني وقداس في الكنيسة منح خلاله وسام الاستحقاق الوطني من ممثل لرئيس الجمهورية انذاك شارل الحلو ، لان الاب الصايغ عرف بحسن التدبير والحكمة وانفتاحه على ابناء النبطية وامامها في تلك الفترة المقدس الشيخ محمد تقي صادق ، وفي عام 1975 عين الاب يوسف نخلة راعيا للكنيسة وبعد اندلاع الحرب الاهلية والقصف الاسرائيلي الذي تعرضت له مدينة النبطية وهجرة اهالي الحي والمدينة حافظ الاب نخلة على بقاء ابواب الكنيسة مفتوحة امام الصامدين من الاهالي ولم يغب حينها رنين جرس الكنيسة في الاعياد حتى ان الكنيسة تعرضت للقصف الاسرائيلي بينما كان عدد من المؤمنين يشاركون في احد القداديس ونجوا باعجوبة ، بعدها وبتكليف من المطران اغناطيوس رعد تولى رهبان ديرمار انطونيوس للطائفة المارونية في النبطية الفوقا بالتعاون مع الراهبات الانطونيات في النبطية رعاية كنيسة النبطية وعمل على خدمتها الاب يوسف العميل والاب باسيل قزي الى جانب الاختين اليس عريجي وليلى اسكندر وحاليا رئيس الدير الاب فرنسيس عساف والاخت جيروم صخر .

ويتابع المختار متى حديثه: "بعد العام 1982 ومع بدء عودة ابناء النبطية أمر المطران رعد ومع بدء عودة ابناء النبطية بترميم الكنيسة وتعاقب على خدمتها الاباء جبرائيل ابو عتمة ، جرجس نصر ، يوسف القزي وبولس الحلو وجان مارون مغامس ويوحنا اسكندر وظلت مقصدا للارشمندريت الكلي الطوباوي الاب سليم غزال وكان يلتقي فيها ابناء المدينة والجوار ويحثهم على التمسك بالعيش المشترك ، ولم يبق كاهن من ابرشية صيدا الا وصلى فيها منهم المطران جورج كويتر والاباء ميشال حبيب وسمير نهرا وانطوان صبحة وسليمان حجار وانطوان سعد وموسى الحاج وجوزف عبد الساتر وهاني فرنسيس وسليمان وهبي".

وختم المختار متى بالقول في مئويتها ارتدت كنيسة السيدة في النبطية حلة جديدة وصلابة وعنفوانا، وفي عهد المطران جورج كويتر المالك سعيدا تم ترميم الكنيسة بعد تعرضها للقصف الاسرائيلي في عدوان تموز من العام 2006 وتم آنذاك تحسين حدودها عبر سور من الباطون والحجر الصخري وتنظيف جدرانها وقرميدها وترميم وطلاء السقف لتزداد الكنيسة تألقا.

لكنيسة سيدة الانتقال في النبطية عجائب كثيرة، اكثرها ذكراً، ان امرأة باتت فيها مع طفلها الصغير المصاب بالحمّى خلال الليل وقد عجز الاطباء عن شفائه ليقوم الطفل في اليوم التالي معافى سليما.

ان كنيسة سيدة الانتقال بالنبطية تزيد المدينة جمالا فهي كانت ولا تزال شاهدة على قدرة اللبنانيين على التعايش والصمود معا في وجه كل الازمات.