لم يهدأ الرئيس الايراني ​حسن روحاني​ منذ ان تم الاعلان عن التوصل الى اتفاق نووي مع ايران، في توجيه الرسائل وتلقيها. وبغض النظر عن حسابات الربح والخسارة والتي تختلف بين هذا الطرف وذاك، يمكن التأكيد ان الترحيب الاوروبي والغربي بالاتفاق قابله تخوف وتشكيك من قبل العديد من الدول العربية وفي مقدمها السعودية.

اختلاف مضمون الرسائل التي تلقاها روحاني (بين مؤيد ومعارض للاتفاق)، رد عليها بمضمون واحد وهو طمأنة الجميع بأن الاتفاق سيفتح صفحة جديدة من العلاقات. والاهم في رد روحاني تشديده على حسن العلاقات مع الجوار(1)، رغم علمه بأن السعودية غير راضية كلياً، وهي هددت بشكل غير مباشر بالتصعيد وبأن المنطقة ستكون قادمة على مرحلة من الاضطراب وليس من السلام. كان من الممكن ان يرد روحاني بشكل غير مباشر ايضاً على هذا التهديد، بتهديد مماثل ولكنه قرر اعتماد النبرة الهادئة ولغة التخفيف، فماذا وراء هذا الاسلوب؟

يمكن اعتبار هذه المقاربة اولى ثمار الاتفاق النووي، فهو اعطى ايران صكاً رسمياً للجلوس على طاولة اللاعبين الاقليميين بعد ان كانت خارجها، ولو انها لعبت ادواراً حاسمة في مصير المنطقة ونسجت تحالفات اقليمية ودولية... انما كل ذلك كان بشكل غير رسمي فيما بات تحركها ضمن الاطر القانونية ومعترف به دولياً، لا بل مرحب به. وفي هذا السياق، وكنتيجة اولية، اتى الرد الايراني باعتماد الطمأنة للدول المجاورة.

لا شك ان اموراً اخرى ستحصل ميدانياً، وسيكون للتدخل الاميركي والغربي تأثيره الكبير، بحيث لا يتغير الستاتيكو (ان في اليمن، او سوريا او ​البحرين​... اي لن يسيطر طرف على آخر، وستبقى الامور رهن توقيت الحل الشامل)، وتراهن ايران على تغلغلها في المنطقة دبلوماسياً وسياسياً.

من هنا، يمكن فهم بعض الاصوات التي بدأت تعلو وتسأل عما اذا كان هناك من انشقاق خليجي في التعاطي مع ايران، فيما تعمل السعودية على اعادة احياء هذا التضامن عبر التدخل المباشر وغير المباشر. فالتهنئة الاولى التي تلقتها ايران خليجياً، كانت من الامارات التي تتنازع معها على الجزر الثلاث، فيما كان امير قطر (الخليجي العائد حديثاً الى حظيرة السعودية) اكثر صراحة باتصاله الهاتفي للتهنئة، وكان ترحيب ​الكويت​ واضحاً برسائل لجميع المعنيين بالاتفاق، اما ​سلطنة عمان​ فهي التي رعت الاتفاق ولعبت الدور البارز في ايصاله الى خواتيمه السعيدة، وبالتالي فإن موقفها معروف من ايران، حتى البحرين ارسلت عبر ملكها برقية تهنئة الى طهران، رغم كل الاتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة.

في مقابل كل ذلك، ليس من المنطقي القول ان هذه الدول ستنتفض في وجه السعودية، ولكن الحقيقة انها تترقب آخر التطورات التي تشهدها الرياض والتي تتسارع بدليل التغييرات الدورية التي يجريها الملك سلمان بن عبد العزيز في المناصب، وهي تنبىء بأن الامور لم تستقر بعد بشكل كامل على الصعيد السياسي في المملكة، وان اي تغيير قد يحصل من شأنه ان يترك تداعيات ليس بمقدور احد ان يتنبأ بتطورها.

في هذا الوقت، تعمل السعودية جاهدة على لملمة شمل الخليج، ومنع تمدد اي شرخ قد يظهر ليصل الى حدود الانشقاق والانقسام، وعليه، فهي تصعّد المواقف وتستثمر بعض الانجازات الميدانية في اليمن، وتحذر من ان المنطقة ستشتعل اذا ما تركت ايران حرة في التصرف، اي بمعنى آخر اذا لم تكن السعودية بالقوة الكافية للوقوف في وجهها.

سياسة الغرب لم تتغير في المنطقة، ولكن ما تغير فيها هو اضفاء طابع الشرعية على التدخل الايراني، والاعتماد عليه لبناء تعاون مع الشيعة لوقف الارهابيين كخطوة اولى تمهيداً للقضاء عليهم وتقديمهم للعالم بصورة مغايرة، كخطوة ثانية.

(1) بتاريخ 18/7/2015، ذكرت وسائل الاعلام ان الرئيس الايراني حسن روحاني اكد في اتصال اجراه معه امير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ان "أولوياتنا بعد الاتفاق النووي هي تعزيز العلاقات مع دول الجوار". وأبدى إستعداد إيران لـ"التشاور مع دول المنطقة بما فيها قطر بشأن ارساء أسس الأمن والاستقرار الاقليميين".