بعد مُضيّ عشر سنوات من الصراع الدَولي-الأميركي مع إيران، وبعد أشهر مُضنية من جولات التفاوض، تمّ في "فيينا" توقيع إتفاق يَقضي بأن ترفع الأمم المتحدة ودول العالم الغربي عقوباتها عن إيران في مُقابل ضوابط مُشدّدة على قدراتها النووية تمنعها من إمتلاك السلاح النووي. لكن وفي ظلّ المواقف المُتشدّدة من جانب الكونغرس الأميركي، فرض سؤال نفسه على الرأي العام الإقليمي والدَولي: هل بإمكان الكونغرس إلغاء الإتفاق مع إيران؟

بهدف تبسيط الإجابة بعيداً عن تفاصيل المراحل والتعقيدات القانونيّة لتنفيذ هكذا خطوة، من الضروري الإشارة إلى أنّ الكونغرس الأميركي الذي يتضمّن مجلسي النوّاب والشيوخ هو في يد الجمهوريّين منذ الإنتخابات النصفيّة التي كانت قد أجريت في تشرين الثاني 2014، وهو لن يُسهّل أيّ إتفاق أو أي مشروع للرئيس الأميركي باراك أوباما ولإدارته الديمقراطيّة. وبالتالي من المُتوقّع عند عرض "إتفاق فيينّا" بين الدول الخمس زائد واحد مع إيران على التصويت، بعد إنتهاء العطلة الصيفيّة للكونغرس في أيلول المقبل، أن تُصوّت الأغلبيّة الجمهوريّة مدعومة ببعض الأصوات من الحزب الديمقراطي ضُدّ الإتفاق. عندها لن يكون أمام الرئيس الأميركي سوى اللجوء إلى حق النقض الممنوح له بالدستور لإبطال قرار كل من مجلسيّ النواّب والشيوخ لإعادة الكُرة مُجدّداً إلى الكونغرس. بعد ذلك، سَيكون على الكونغرس الأميركي التصويت مُجدّداً على الإتفاق لإيقافه، لكن يتعيّن هذه المرّة الحصول على أغلبيّة الثلثين من الأصوات، وليس على أغلبيّة النصف زائد واحد، كما في المرّة الأولى. وبحسب مُختلف الخبراء في السياسة الدَوليّة المُطلعين على تفاصيل توزيع القوى السياسية في الكونغرس الأميركي، وعلى آراء مختلف النوّاب والسيناتور فيه، فإنّ هذا الإحتمال غير وارد، على الرغم من إبداء عدد لا بأس من الديمقراطيّين إستعدادهم لدعم الجمهوريّين في مساعيهم الهادفة لإسقاط الإتفاق مع إيران. وتبعاً لأحدث الإحصاءات والدراسات، ما زال الجمهوريّون بحاجة إلى 13 صوتاً في مجلس الشيوخ وإلى أكثر من 50 صوتاً في مجلس النوّاب للوصول إلى أغلبيّة الثلثين في كل من المجلسين، وهذا الأمر لن يتحقّق.

وبالتالي، يُمكن القول إنّه على الرغم من إرتفاع أصوات نُوّاب الكونغرس الأميركي ضُدّ الإتفاق مع إيران، فإنّ قُدرتهم على إعاقته هي مرحليّة فقط، حيث سيردّ عليها الرئيس أوباما بحق النقض الممنوح له، ليعجز بعدها الكونغرس في تأمين ثلثي الأصوات. وعندها يُصبح "إتفاق فيينّا" نافذاً من الجانب الأميركي. وبحسب أكثر من خبير في السياسة الدَوليّة، إنّ الأميركيّين لا يُريدون الظهور بمظهر المُهرول لتطبيع العلاقات مع من كان يصفهم بالأمس القريب بعبارة "الشيطان الأكبر"، ومع من كانوا يصفونه بأنفسهم بعبارة "محور الشرّ". لكن التصعيد السياسي والإعلامي لن يُغيّر واقع مرور الإتفاق مع إيران، وهو يَصبّ في خانة تسجيل المواقف، ويرتبط بصراع النفوذ السياسي على الساحة السياسيّة الأميركيّة، في ضوء إقتراب الإنتخابات الرئاسية الأميركيّة التي ستُنظّم في 8 تشرين الثاني 2016. أكثر من ذلك، ودائماً بحسب الخبراء في السياسة الدَوليّة، إنّ الإتفاق مع إيران سيبقى قائماً في المُستقبل أيّا تكن هويّة الرئيس الأميركي المقبل، وأيّا كان التوزيع السياسي في الكونغرس الأميركي بعد بضع سنوات، لأنّه بعد مرور فترة زمنيّة على تطبيق الإتفاق، يُصبح من غير اللائق التنصّل منه، لأنّ ذلك سيُعرّض مصداقية الولايات المتحدة الأميركية كدولة عظمى تحترم تعهدّاتها وتواقيعها والإتفاقات التي تُبرمها للخطر.

في الختام، وبغض النظر إذا كان ما يحدث على الساحة الأميركيّة حالياً، هو إستعراض إعلامي أو عبارة عن صراع نفوذ سياسي داخلي أو حتى عبارة عن محاولات جدّية من قبل الجمهوريّين لإفشال أداء إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، الأكيد أنّ الإتفاق مع إيران سيتجاوز العراقيل وسيُصبح بحكّم النافذ قريباً جداً، ما يستوجب التركيز على مرحلة ما بعد الإتفاق، بدلاً من إضاعة الوقت في إنتظار عرقلة لا قُدرة على الكونغرس الأميركي في فرضها.