اعتبرت الأطراف الدولية أن "الاتفاق النووي مع إيران هو اتفاق تاريخي، والجميع رابح منه".. كما أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبّر عدة مرات عن ذلك، قائلاً إنه سيؤسّس لمرحلة جديدة من العلاقات السياسية بين أميركا وإيران، ويفتح الباب لمناقشة أزمات المنطقة كافة، والبحث عن تسويات تُرضي جميع الأطراف المتنازعة، وهو اتفاق الضرورة، لقناعة إيران بضرورة فكّ عزلتها الاقتصادية، ولتقدير أميركا أن الاستمرار في حصارها لن يحل المشكلة، بل سيعقّدها؛ من ناحية صعوبة منع إيران من إنتاج القنبلة النووية، ومن ناحية أخذ العالم إلى خيار حرب جديدة إذا ما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، ولقناعة المجموعة الدولية (5+1) بأن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومعالجة أزماته يصعب تحقيقهما من دون التفاهم مع إيران، لأنها لاعب إقليمي مؤثر، وقادر على الالتزام بأية تسوية يتم الاتفاق عليها مع أميركا والدول الحليفة لها، وهذا ما أشار إليه وزير خارجية أميركا جون كيري بقوله إن الاتفاق النووي الإيراني بلا شك سيجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر أماناً، وكذلك كلام رئيس الجمهورية الإيرانية الشيخ حسن روحاني بأن الاتفاق النووي مع القوى الكبرى سيولّد مناخاً لتسوية الأزمات الإقليمية، مثل اليمن وسورية، مؤكداً أن الحل في النهاية في كل من اليمن وسورية سيكون سياسياً.

لكن السؤال: البدء بحوارات إقليمية تمهّد للبحث في أزمات المنطقة، هل سيشمل ملفات المنطقة كافة، ومنها الملف الفلسطيني، أم أنها ستقتصر على معالجة بعضها وإبقاء بعضها الآخر عالقاً، بسبب تعقيداته، لارتباطه بأمور دينية (كتحرير فلسطين واجب ديني) لا يستوي معها مفهوم تبادل المصالح بين الدول، أو المقايضة عليها؟

مما لا شك فيه أن الدافع الأساس لإنجاز الاتفاق النووي لكل من أميركا وإيران لم يكن سببه الأزمات العالقة في المنطقة، وإن كانت مأخوذة بعين الاعتبار، لناحية الأجواء الإيجابية التي ستنعكس على الجميع بعد الاتفاق، ومع ذلك فقد ذهبت بعض الآراء بعيداً في تقييمها لهذا الاتفاق، معتبرة أنه سيعالج أزمات المنطقة كافة، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، وأن إيران ستدخل في تسوية مع "إسرائيل"، وتتخلى عن دعمها لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان، وستخيب آمالهم!

أصحاب هذا الرأي لا يعرفون الخلفية الدينية التي انطلقت منها إيران في معاداتها لـ"إسرائيل"، وأن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبنيّة عليها، من دون إغفال مصالحها القومية، على ألا تتعارض مع قيَمها الدينية، ولذا لا يمكن لإيران أن تغضّ الطرف عن تصرفات "إسرائيل" العدوانية، فتقف على الحياد، أو أن تشارك في تسوية إقليمية تكون على حساب القضية الفلسطينية، كما فعلت غالبية الدول العربية التي تآمرت على القضية الفلسطينية، لتوفّر على نفسها عداء الدول الكبرى لها.

قد تتقاطع بعض مصالح إيران مع مصالح الغرب، وقد يكون ذلك مدخلاً لمعالجة بعض أزمات المنطقة في اليمن وسورية، كما عبّر الرئيس روحاني، لكن حالة التوتر ستبقى ملازمة لها، بسبب احتلال "إسرائيل" لفلسطين، لأن المواجهة ستستمر، وستأخذ أشكالاً متعددة، ترتفع حدتها أو تنخفض حسب الظروف الإقليمية، لكنها في نهاية الأمر حرب مفتوحة يتحدد فيها مصير "إسرائيل"، وقد تنعكس أعمالاً حربية محدودة، أو شن حروب واسعة.. كل هذا الأمر مرتبط بتطورات المنطقة من ناحية، وللقرار الجهادي ضد الصهاينة في داخل فلسطين، وكذلك التقدير الصهيوني لواقعه الميداني والسياسي لمستقبل كيانه من ناحية أخرى، وهي الأهم.