في الوقت نفسه تقريبا الذي كان احمد الاسير يزمع ان يستقل الطائرة هارباً من العدالة التي تلاحقه بتهم قتل عناصر وضباط الجيش، الى مصر ونيجيريا كان اهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» يستعدون للانتقال الى جرود عرسال لرؤية ابنائهم بعد انقطاع في التواصل استمر قرابة العشرة اشهر، قبل ان تتوقف رحلة الأسير الذي كان يمني نفسه بهروب ناجح يضمن استمرار حلمه بـ«الدولة الاسلامية الداعشية» وتتوقف رحلة الاهالي الى الجرود الذين وقعوا تحت صدمة التوقيف والمخاوف من ارتداداتها على ملف ابنائهم خصوصاً ان لدى اهل المخطوفين قلقاً مستمراً ومضنياً من انعكاس اي تطور على قضية اولادهم، فلا رحلة ألأسير تحققت ولا رحلة الاهالي الشاقة الى الجرود حصلت بعد التطور الامني بالقاء القبض على الشيخ الأسير.

فخبر التوقيف الذي اطلق حملة تضامن وشعور بالاعتزار والفخر لجهود الاجهزة الامنية خصوصاً ان الشيخ الارهابي برقبته شهداء من المؤسسة العسكرية ومحكوم بالاعدام بتهم قتل افراد وضباط من الجيش في احداث عبرا في تموز 2013، اطلق ايضاً المخاوف على العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» نظراً للحالة التي يمثلها الارهابي احمد ألأسير والذي يأتي توقيفه ليضاف الى حلقة الارهابيين الخطيرين الموقوفين لدى الأجهزة الامنية على غرار الشيخ بحلص ودفتردار وغيرهم... كما ترافق مع عودة التهديدات بعدما نزلت زوجة الاسير الى دوار الكرامة توجه نداء الاستغاثة الى اهل السنة.

وإذا كان توقيف الأسير ليس وحده وليد الصدفة ونتيجة تحري اجهزة المطار انما بسبب المتابعة الامنية الدقيقة والاختراق الذي تحققه الأجهزة اللبنانية في صفوف الارهابيين، فان توقيف ألأسير ايضاً ربما يكون وفق الاوساط حصل بعد رفع الغطاء السياسي عنه، فالأسير نفسه في اعترافاته ألأولية نقل عنه انه تلقى الدعم في بداية تحركه لإنشاء حركة سياسية وعسكرية بمواجهة حزب الله من فرع المعلومات وتيار المستقبل قبل ان يتخلى عنه هؤلاء في وقت لاحق، فالواضح ان المستقبل الذي اتهمه عون بالداعشية السياسية يسعى منذ فترة الى ازالة التهمة عنه وقطع اي صلة او ما يمكن ان يصله ويربطه بغير المعتدلين على الساحة السنية، خصوصاً ان المستقبل يدرك ان سيف الارهاب سيضرب ويستهدف ساحته بالدرجة الأولى اذا ما قوي لبنانياً. والواضح ايضاً ان توقيف الاسير اطلق المخاوف مجدداً لدى اهل العسكريين المخطوفين منذ آب الماضي والتي يغلفها الغموض والتكتم حول مسار المفاوضات ويالتالي فان توقيف الأسير ربما يؤثر سلباً على قضية العسكريين.

ومقاربة قضية المخطوفين تظهر ان حال المخطوفين لدى «النصرة» تظهر اكثر قابلية للتفاوض والحل حيث يتسنى لذوي العسكريين المخطوفين لدى «النصرة» رؤيتهم من وقت لآخر او الاطلاع على اخبارهم، فان المسألة مع العسكريين المخطوفين لدى «داعش» تبقى اكثر تعقيداً بحسب الاوساط، بعد نقلهم الى سوريا وحيث لا معلومات عنهم باستثناء القليل المنقول عن لسان مرجعيات معينة، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير فالخاطفين لا رحمة بقلوبهم ويحظون بدعم مادي من جهات خارجية وداخلية على امل ان تبعد التصفية الجسدية عنهم وورقة التفاوض الوحيدة مع «النصرة» هي للواء عباس ابراهيم.

من هنا تقول الاوساط لا يمكن لأحد ان يفهم كيف يفكر اهل العسكريين المخطوفين لدى اسوأ الارهابيين وبماذا يشعرون وهم لا يعرفون شيئاً عن فلذات اكبادهم المحتجزين في الكهوف والمغاور في ظروف حياتية ونفسية سيئة إلا من مر بتجربة مماثلة وخضع لمثل هذا الاختبار المرير.

اهل العسكريين يشعرون بالخوف الشديد من اي تطور قد لا يصب في مصلحة اولادهم وحيث تتحدث المعلومات عن ان معركة جرود عرسال ستبدأ بعد انتهاء المرحلة الاخيرة من معركة الزبداني مباشرة، وهذه المعركة لا يمكن التكهن بحدتها وعنفها، وشعور الاهل ان «زنقة» الخاطفين قد تؤدي الى تصفية اولادهم على قاعدة «داعش» الذي ينقل عنهم في معاركهم في سوريا او العراق انهم يلجأون الى طريقة «علي وعلى اعدائي يا رب» خصوصاً ان لا شيء لديهم ليخسروه فيما لو نجح الجيش ومعه حزب الله في تصفيتهم والقضاء عليهم وطردهم من السلسلة الشرقية الى غير رجعة.

ومن جهة اخرى فان المرحلة الاخيرة لم تحمل اي تقدم في الملف او تطور ايجابي. فيما كانت الأجواء تشير الى حصول تطور في الملف لدى المخطوفين لدى النصرة ومن ثم تراجعت الى المكان الاول الذي توقفت فيه.

وعليه ثمة نظريتان في شان ملف العسكريين تقول الاوساط، النظرية الاولى تبقي المخاوف قائمة في اي وقت فلا شيء يردع الارهابيين عن العودة الى الإعدامات او الى تصفية العسكريين فإرهابهم وبطشهم لا حدود لهما، ومشهد الإعدامات والعمليات الإجرامية من رجم بالحجارة او رمي من ارتفاعات عالية والقتل بالسيف يتكرر في كل المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، وهم لا يملكون القواعد الأخلاقية والإلتزامات التي تملكها عادة الجماعات الارهابية والمجرمة، والنظرية الثانية تؤكد ان الدولة اللبنانية صارت اقوى من الارهابيين وسجلت نقاطا في خانتها بعد توقيفات ارهابيين من الصف الاول، وبالتالي فان العودة الى مسلسل الإعدامات برأي الاوساط غير مطروحة حالياً في اجندات الإرهابيين وان مخطوفي «داعش» اللبنانيين لا يشبهون المخطوفين لديهم في الدول التي تسيطر فيها داعش، لاعتبارات عديدة ومنها ان الدولة اللبنانية تملك اوراقاً كثيرة وموقوفين ارهابيين في سجونها لا يمكن ان تضحي بهم المجموعات الارهابية، وان الارهابيين ذهلوا بتعنت الدولة وتمسكها بالمقايضة ضمن شروطها الخاصة التي لا تعني الافراج عن الارهابيين الخطيرين الذين تريدهم «النصرة» و«داعش»، كما ان الارهابيين باتوا على يقين بان السلطة تمتلك الكثير من الاوراق، فمن يضمن مثلاً ان لا يتم التضييق على بعض المخيمات التي تحوي عائلات واقارب الارهابيين، وما الذي يمنع الدولة ان تقوم باي مفاجأة وردة فعل بعدما صار عدد الارهابيين الموقوفين مؤخراً يفوق التصور وبمن فيهم نساء الاسلاميين إضافة الى «كنوز» من الارهابيين قدموا معلومات بالغة الاهمية للدولة وكان آخرهم الارهابي احمد الأسير بما يحتويه من بنك للمعلومات.