ما أن تمّ الإعلان عن توقيع الإتفاق بين ​إيران​ ودول الخمس زائد واحد، وحتى قبل تصديق هذا الإتفاق من قبل السُلطات المعنيّة في كلّ من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة والولايات المتحدة الأميركيّة، شهدت منطقة الشرق الأوسط والعالم، فورة على صعيد الإتصالات واللقاءات والإجتماعات التي صبّت كلّها في خانة طرح ملفّات النزاع على طاولات التفاوض الإقليميّة والدَوليّة. فهل من تسويات قريبة مُنتظرة في كل من سوريا واليمن والعراق والمنطقة ككل، كما يُشاع؟

بحسب أكثر من مُحلّل غربي، إنّ ما يحصل حالياً هو محاولات روسيّة-إيرانيّة للإستفادة من الزخم الإيجابي الذي أحدثه توقيع الإتفاق مع إيران بشأن ملفّها النووي، لتسويق أفكار حلول مُقترحة من الجانب الإيراني بدعم روسي كبير. وبالتالي، يُمكن القول إنّ المبُادرات التي تُحاول طهران تعميمها على الجهات المعنيّة بملفّات الشرق الأوسط، بدعم روسي كامل، ليست خلاصات نقاشات مع الخصوم ولا هي نتيجة مفاوضات مُباشرة بين الجهات المُتقاتلة في سوريا واليمن والعراق وغيرها من الدول، بل هي صادرة عن جهة واحدة من أطراف النزاع الكُثر، ما يجعل فرص نجاحها ضعيفة. وبالنسبة إلى المُبادرات الروسيّة المُستقلّة، فهي تُمثّل بدورها محاولات روسية للحفاظ على دورها العالمي وعلى مصالحها في الشرق الأوسط، وفرص نجاحها ليست أعلى بكثير من الجهود الإيرانية للحلّ، علماً أنّ ​روسيا​ تحاول الدخول من باب الإجماع الدَولي على محاربة الإرهاب لتعزيز نفوذها ودورها في المنطقة.

وأجمعت هذه التحاليل الغربيّة أنّه على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة، فإنّ فرص الوصول إلى تسويات جزئية أو كاملة في الأسابيع القليلة المقبلة هي آمال واهية، بسبب عدم مُشاركة كل الأطراف المعنيّة بالنزاعات باقتراحات الحلول، وبسبب إستمرار الهّوة الشاسعة في مواقف الأطراف المعنيّة، مثل سوريا والسعودية وتركيا وإيران وغيرها، وفي نظرة هذه الأطراف إلى الحلول المُبتغاة. وأضافت أنّ بداية حلّ أيّ ملفّ من ملفّات منطقة الشرق الأوسط الشائكة والعالقة، يجب أن تكون عبر الإعتراف بالأدوار المُتوازنة والمُهمّة لكل الأفرقاء، وكذلك عبر الإستعداد لتقديم تنازلات مُتبادلة وُصولاً إلى تسويات تُرضي أكبر عدد ممكن من الجهات المُتخاصمة وحتى المُتحاربة.

وأكّد أكثر من مُحلّل غربي أنّ الوقت لم يحن بعد لإنطلاق التسويات في الشرق الأوسط، خاصة وأنّ كل الأفرقاء ماضون قُدماً في محاولات تعزيز "أوراق التفاوض". وأعطى بعضهم مثلاً بأنّ الوضع في اليمن تغيّر بشكل جذري في غضون بضعة أسابيع، بحيث أنّ التفاوض على حل لليمن منذ بضعة أسابيع كان سيأتي بنتيجة مُغايرة تماماً لما يُمكن أن تخلص إليه أيّ عمليّة تفاوض خاصة باليمن حالياً أو بعد بضعة أسابيع، وذلك بعد تراجع سيطرة جماعة "أنصار الله" على اليمن بشكل كبير، إلى درجة بات الحديث معها عن قرب إطلاق معركة إسترداد صنعاء، حيث لم تكتف القوى المُؤيّدة للرئيس اليمني هادي منصور باستعادة السيطرة على محافظات جنوب ووسط اليمن فحسب! ولفت هؤلاء إلى أنّ المعارك لا تزال مفتوحة على مصراعيها في سوريا، في ظلّ تمسّك أكثر من طرف بمواقفه المُتشدّدة السابقة، ليس من باب رفع المطالب تمهيداً لخفضها على طاولات التفاوض، بل من باب الإعتقاد بقرب إنقلاب موازين القوى لصالحه. ونفى هؤلاء المحلّلون أن تكون الأمور بلغت مرحلة تقديم "التضحيات" المُتبادلة، لجهة تنازل إيران عن مصالحها في اليمن عمداً، في مقابل أن تُعزّز نفوذها في الميدان السوري على سبيل المثال لا الحصر، مُعتبرين أنّ الكلمة حالياً هي فقط للميدان وللسلاح.

وتوقّع أكثر من خبير في الشؤون السياسيّة الدَوليّة أن تتبخّر قريباً كل الرهانات التي عُقدت على تسويات سريعة في سوريا أو اليمن أو غيرهما، حيث من المُنتظر أن يبقى الصراع العسكري هو السائد في الفترة المُقبلة، في إنتظار أن يصل إلى مسامعنا جلوس القوى الإقليميّة المُؤثّرة وفي طليعتها إيران والسعودية وتركيا وغيرها، إلى طاولة المفاوضات بشكل مُباشر، بغطاء مُباشر من القوى الدَولية الأساسية، مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركيّة وغيرهما أيضاً.