القدس مهد السلام وجسر التلاقي الحضاري بين الأمم إنها قلب العالم الذي ينبض بالأصالة والخير والسمو. إنها عاصمة فلسطين التاريخية، والعنوان الذي يجمع ولا يفرّق، إنها رمز البركة والقداسة. لكلّ ذلك هي تُستباح اليوم وتذبح من قبل الصهيونية العنصرية التي تنصّلت من كلّ القيم الإنسانية واختارت التسلّط والإقصاء.

وبينما نحن نكذّب وجداننا ونسقط رهينة خلافاتنا يعمل الاحتلال على تقسيم مسجدها، المسجد الأقصى، وتشويه كنيستها، كنيسة القيامة، وتغيير معالمها وتزوير هويتها وتسميتها بغير اسمها الذي يرمز إلى قدسية الحياة وعظمة العطاء.

وفي ظلّ الاحتلال الذي تقوده كالعادة حكومة متطرفة متمرّسة بسفك الدماء والاستيلاء على أراضي الغير وبناء المستوطنات، يعيش أهلنا في القدس حرباً ليست كباقي الحروب، حرباً تدور منذ عام 1948 وما قبل على كلّ تفاصيل الحياة المقدسية، حتى تغدو القدس جحيماً لا يطاق لأهلها المظلومين، وجنة مفتوحة للمستوطنين.

الفلسطيني لا يستطيع ممارسة حقوقه في التنقل والإنماء ولمّ الشمل والبناء على أرضه. وللمستوطن «الحق» في المصادرة والاعتداء والبناء على أرض الغير. إنها الهمجية بأعلى مستوياتها، وذلك على مرأى من العالم بمؤسساته وأنظمته ومنظماته. وإذا كان هذا الموقف المتواطئ يعبّر عن حالة الانحطاط والتردّي التي تسود العالم، فإنه عملياً يقول لـ«تل أبيب»: تابعي سياستك في القمع وأنجزي مشروعك في الاستيطان ولا تهتمّي ماذا تقوله العواصم أو الأمم المتحدة أو اللجنة الرباعية التي زوّر صوتها طوني بلير شريك جورج بوش في حربه الظالمة على العراق.

أما الأنظمة العربية التي أكثرت من الوعود لدعم الأقصى والقدس وفلسطين سواء في مؤتمرات القمة أو غيرها، فإنها اليوم كما بالأمس، لا تجهل كيف تتذرّع بالأحداث الراهنة للتفلت من واجباتها القومية، وما علمت أنّ الابتعاد عن القضية قد فتح في قلاعها وأسوارها الثغرات التي تتسرّب منها اليوم رياح التطرف والغلوّ، فضلاً عن دعوات التدخل السافر والحماية المقنّعة.

إننا ندعو هذه الأنظمة إلى تصحيح الخلل والمبادرة للقيام بواجباتها نحو القدس وفلسطين، ما تأخر منها وما استحق.

أما العواصم والهيئات الدولية فنطالبها بالكفّ عن المراوغة وتغطية العدوان، والمبادرة إلى تنفيذ كلّ القرارات الدولية التي تدين «تل أبيب» وقادتها الذين يجب أن يخضعوا للمحاكمة في محكمة الجنايات الدولية، خصوصاً بعد الجرائم الأخيرة والمتعمّدة التي طاولت علي الدوابشة وعائلته.

أما الأجيال الجديدة التي نعوّل عليها في مسيرة المقاومة والتحرير، فنحن على ثقة بأنّ القدس في ضمائرها، وأبناؤها يتهيأون لاسترداد شرفها من أيدي العتاة والطغاة، فالقدس عاصمة فلسطين الأبدية، تحبّ من أحبّها، وتلعن من خذلها، وليكن شعارنا جميعاً القدس نحميها معاً، ونستعيدها معاً.