يبدو أن مختلف الأطياف السياسية باتوا على قناعة تامة بأن الحلول للأزمات القائمة على تنوّعها ما تزال بعيدة المنال، وأن إعادة لبننة هذه الحلول لم تعد في قبضة اليد بعد أن خطفت الأحداث الإقليمية والتطورات الدولية الاستحقاقات اللبنانية الكبرى وجعلتها أسيرة هذه الأحداث ومرتبطة بشكل عضوي معها.

إن من يرصد مسار الأحداث في لبنان يُدرك أنه لم يعد بالإمكان مقاربة الملفات الخلافية والعمل على حلّها بسهولة، حيث أن الأفق الداخلي مقفل بالكامل، وأن الآمال باتت معلّقة على أحد من أمرين: الأول حصول معجزة وهو أمر مستبعد، والثاني حصول إنفراجات إقليمية ودولية من الممكن أن تلفح رياحها لبنان ويستفيد في توظيف ذلك في حل مشاكله الداخلية وفي مقدمها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

بالأمس القريب نقل زوّار عين التينة عن الرئيس نبيه برّي قوله بأنه علينا انتظار موعد السادس عشر من كانون الأول التاريخ النهائي لإقرار الإتفاق النووي في إيران والولايات المتحدة الأميركية على أمل أن يلتفت أصحاب القرار إلى الأزمات الإقليمية المندلعة من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان فيصار إلى إنهاء الشغور الرئاسي الذي إستوطن قصر بعبدا.

ولعلّ هذا الاستنتاج لدى الرئيس برّي هو ما يجعله رأس حربة المدافعين عن الحكومة، وفي طليعة الداعمين للرئيس تمام سلام، لأنه يعي تماماً أن الإطاحة بالحكومة يعني الدخول في المجهول، لأنه من المتعذر المجيء بحكومة ثانية ولو كانت من لون سياسي واحد في ظل الشغور الرئاسي والإنشطار السياسي والشلل البرلماني.

من هنا فإن مصادر سياسية لا ترى في الأفق وجود أي ملامح تغيّرات على أي صعيد، وأن الحراك في الشارع الذي يأتي تحت عناوين مطلبية لن يلامس حدود إسقاط الحكومة المتعذر لأسباب داخلية وخارجية، سيما وأن السياج الإقليمي ما زال موجوداً لحماية هذه الحكومة، وهو ما يعني ان التكيف مع الوضع الراهن هو الخيار الصحيح، لأن حالة الستاتيكو القائمة على كل الأصعدة ربما تطول، باعتبار ان هذا العام لن يحمل أي تطوّر جديد يمكن التعويل عليه في المعالجات وإن كان من المرتقب ان يعود الاستحقاق الرئاسي في غضون الأيام المقبلة إلى واجهة الأحداث من جديد من باب زيارة الموفدين الدوليين إلى لبنان لاستخراج الرأي وطرح الأفكار، وكذلك من خلال إعادة بكركي فتح أبوابها امام القيادات المسيحية للتشاور في مآل الأمور في محاولة لإحداث ثغرة في جدار هذه الأزمة، من دون ان يعني ذلك انه سيكون هناك حلول جاهزة عند أي طرف طالما ان الجسور بين بعض الدول الإقليمية المعنية بالملف اللبناني ما تزال مقطوعة.

وفي تقدير المصادر ان العلاقة بين مكونات الحكومة ستبقى لأسابيع وربما لأشهر في حالة «دقي واعصري» غير ان هذه الأمور من غير الممكن ان تتجاوز مرحلة المساكنة الحالية إلى حالة الطلاق الخلعي أي بمعنى انهيار الحكومة، باعتبار ان كل فريق سياسي يتمسك بذيل هذه الحكومة لاعتبارات خاصة به ولقناعته الراسخة بأن خيار التغيير لا وجود له في القاموس اللبناني في الوقت الراهن ولا حتى في الأجندة الإقليمية والدولية.

وترى المصادر انه لو لم تكن هناك ضوابط خارجية تحافظ على الوضع اللبناني بشكله الراهن لكانت الحكومة ربما سقطت من اليوم الأوّل للتحرك المطلبي، وربما قبل ذلك من خلال الاشتباكات السياسية التي تندلع مع كل انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، فصحيح ان الرئيس سلام يتميّز بسعة صدره وصبره، غير ان هناك عوامل كثيرة تحول دون اتخاذه قرار الاستقالة وهي اعتبارات معروفة وأبرزها الشغور الرئاسي والرغبة الإقليمية.

وانطلاقاً من هذا الواقع فإن المصادر السياسية تؤكد بأن مجلس الوزراء لن يبقى على هذا النحو من عدم الإنتاج الذي يجعل من استمرار الحكومة امراً غير مبرر، بل ان جلسة الخميس ستكون مفصلية في هذا الإطار حيث يحرص الرئيس سلام على ان تكون هذه الجلسة غنية بالقرارات المهمة والتي هي على تماس مباشر مع المواطنين وتحافظ على مصداقية الدولة تجاه الآخر، وأن من يعرقل هذا التوجه سيتحمل وحده وزر هذا التوجه التعطيلي والذي سيكون له مفاعيل سلبية على مجمل الوضع العام إن تمّ التجاوب معه.

وتؤكد هذه المصادر بأن رئيس الحكومة يحرص على الذهاب إلى الأمم المتحدة في النصف الثاني من الشهر المقبل في ظل أجواء سياسية هادئة لأن إظهار لبنان في المحافل الدولية بمظهر المنقسم على نفسه سيجعل رؤساء الدول يتعاطون مع لبنان بشكل غير جدي وسيكون موقف لبنان ضعيفاً في أبرز موقع دولي في العالم.

من هنا فإن المصادر تتوقع ان تنشط الاتصالات في الساعات المقبلة لاحتواء مفاعيل أزمة النفايات والآلية بغية الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الحكومي المطلوب محلياً ودولياً في المرحلة الراهنة.