يكاد سكان بيروت والضواحي لا ينامون في الليل بسبب حرائق ​النفايات​، فسحب الحرائق بروائحها الكريهة تغطي سماء المنطقة التي يقطنون فيها، وتلك الروائح السامة تتسرّب الى البيوت ويضطر معها السكان الى تحمّل الحرّ الشديد والروائح الكريهة.

في بداية الأزمة كان العنوان العريض للبلديات هو استحداث مكبات مؤقتة لرمي النفايات فيها بعيدة عن السكان، اليوم تتمّ عملية الحرق من قبل بعض المجهولين على الاوتوسترادات العامة وعلى جوانب الطرقات. وقد بدأت عمليات الحرق تلك تقريباً بعد تعذّر إيجاد حل لأزمة النفايات المتراكمة، فظنّ البعض أن الحلّ الأنسب للتخلص منها ومن خطرها هو اللجوء الى حرقها من دون أن يدركوا التداعيات الخطيرة لعملية الحرق تلك على البيئة وعلى البشر في آن.

تكاثر الجراثيم

تشكّل النفايات الغذاء الأساسي لكل أنواع البكتيريا، الجراثيم والفطريات، وكلّها تُعتبَر خطرة على صحة الإنسان، وتصنَّف سبباً رئيساً للإصابة بالعديد من ​الأمراض​، من بينها الكوليرا، والتيفوئيد، كما أنّ تكاثر النفايات، واللجوء الى حرقها، يضاعف الخطر على الإنسان، وذلك نتيجة الغازات السامة "Dioxine" التي تخرج خلال عملية الحرق. هذا ما يؤكده الباحث في الهندسة الجرثومية أدريه خوري لـ"النشرة"، شارحاً أن "تنشّق تلك الغازات يؤدي مع الوقت الى الإصابة بسرطان الكبد والرئة والالتهاب الجلدي".

مسبب اساسي للعقم

لا يتوقف الامر عند حدود الاصابة بالامراض المميتة، إذ إنّ تنشّق النساء مثلاً لرائحة الدخان المنبعث من حرق النفايات والإنبعاثات السامة، إضافة إلى غاز مونو أوكسيد المنبعث نتيجة حرق النفايات، قد يسبب لهنّ العقم. وهنا يلفت خوري الى أن "الروائح المنبعثة من عملية الحرق قد تؤدّي لمشكلة في الخصوبة، كما قد تؤثر على الجنين في الحالة التي تكون فيها المرأة حاملا"، ويشير الى أن "الطفل قد يولد وعضوه التناسلي غير مكتمل في بعض الحالات وهذا من التأثيرات الأساسية لتنشق دخان حرائق النفايات".

أما رشّ الكلس على النفايات للتخفيف من ضررها كما فعلت العديد من البلديات، فيرى خوري أنّه يساعد على التخفيف من نسبة البكتيريا ويساعد على الإبطاء من تكاثرها، إلا أنّه يشدّد على وجوب رش النفايات في الشوارع بالكلس في مقابل رشّ المبيدات القاتلة للحشرات في البيوت، "وهذا يساعد على التخفيف من البكتيريا والحشرات التي يمكن أن تدخل المنزل نتيجة هذه الأزمة".

لوضع الكمامات

بظل هذا الواقع البيئي المتردي، قد يكون الحل الوحيد لتفادي إستنشاق الروائح والإنبعاثات السامة هو إرتداء "الكمّامات" الطبية المخصصة لهذا الموضوع وهي تخفف بنسبة 30 الى 40% من التلوث، كما يؤكد خوري، الذي يصف ذلك بـ"الحلّ الأمثل لتفادي الإصابة بالعوارض الناجمة عن إستنشاق الروائحة الكريهة للنفايات والإنبعاثات السامة التي تصدر عن حرق النفايات بكل ما فيها من دون فرز".

في المحصلة، الأكيد أنّ حرق النفايات ليس حلاً للمشكلة كما يتوهّم الكثيرون، بل على العكس من ذلك هو يضاعف من خطورة الأزمة، وهو قبل كلّ ذلك سببٌ رئيسي لتكاثر الأمراض والجراثيم، ليبقى الفرز هو الحلّ الأنسب كما يؤكد جميع الاختصاصيّون، باعتبار أنّه يساعد على الإستفادة من حوالي ستين الى سبعين بالمئة من النفايات، فيتم تحويلها الى مواد يمكن استعمالها والاستفادة منها مادياً ويبقى فقط حوالي عشرين بالمئة يلجأ المعنيون الى طمرها بطريقة صحية لا تؤذي البيئة والانسان.