تحت عنوان "الربيع الإسلامي"، أطلّ زعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي ​أيمن الظواهري​ في رسالة من المفترض أن تكون الأولى من ضمن سلسلة، كرست حالة الإنفصال عن الواقع من الناحية التنظيمية، لا سيما أن توقيت تسجيلها من المفترض أن يعود إلى ما قبل نهاية شهر تموز الماضي، بسبب حديثه الدائم عن أمير حركة "طالبان" الراحل الملا عمر، بالرغم من إعلان وفاته، وتعيين أمير جديد على رأس الحركة الأفغانية الملا اختر منصور.

وفي حين أن الكشف عن الرسالة اليوم لا يصب في خدمة "القاعدة" على الإطلاق، بل يأتي ليقدم الدعم لوجهة نظر تنظيم "داعش" الإرهابي، هناك بعض النقاط التي ينبغي التوقف عندها من أجل فهم طبيعة المرحلة المقبلة، على صعيد عمل الجماعات التكفيرية، خصوصاً أن تداعيات كلام الظواهري من المفترض أن تكون كبيرة.

في البداية، أكد زعيم تنظيم "القاعدة"، من خلال كلامه، بأن الخلاف مع "داعش" ليس إلا على السلطة والقيادة، عبر عودته إلى موضوع "البيعة" ونكستها، فهو يريد أن يكرس "الإمارة الإسلامية" في أفغانستان مقابل "الخلافة" التي أعلنها زعيم "داعش"، والتي تسحب البساط من الظواهري و"طالبان" معاً، حيث من المفترض أن تلغي كل "البيعات" السابقة، مقابل أخرى جديدة تعطى للبغدادي، وهذا الأمر كان له ردود فعل في مختلف البلدان التي تتواجد فيها الفصائل والجماعات التكفيرية، مع العلم أن الكشف عن إخفاء وفاة الملا عمر من قبل "طالبان"، ما يقارب السنتين، يدعم وجهة نظر "داعش"، كون "البيعة" لا تجوز لشخص فارق الحياة.

في السياق نفسه، يأتي القسم الثاني من رسالة الظواهري الجديدة، التي شدد فيها على ضرورة توحيد جهود مختلف الفصائل والجماعات في مواجهة التحالف الدولي، من خلال تأكيده بأنه لو كان متواجداً في العراق أو سوريا لتعاون مع "داعش" ضد التحالف الدولي القائم بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني أن زعيم "طالبان" لا يزال يرفض تصنيف التنظيم بـ"الخوارج"، كما تفعل معظم الشخصيات التي تدور في فلك "القاعدة"، حيث أن هذ التصنيف يفترض تقديم قتالهم على سواهم من "الأعداء"، في حين أن فرع التنظيم العالمي في سوريا، أي "جبهة النصرة"، ذهب إلى هذا المكان منذ فترة طويلة، الأمر الذي يطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام.

وفي حين شكلت رسالة الأمس مادة سجال جديدة، بين أنصار "القاعدة" و"داعش" على مواقع التواصل الإجتماعي، من المؤكد أنها مرتبطة بالتحولات السياسية القائمة، لا سيما لناحية ذهاب أغلب الدول في العالم والمنطقة نحو بحث السبل الفاعلة في مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد إدراكها بأن خطرها لن يحصر في رقعة معينة دون سواها، الأمر الذي تجلى بالخلافات التي بدأت تظهر بين "النصرة" والقوى المتحالفة معها على الساحة السورية، خصوصاً حركة "​أحرار الشام​"، التي تسعى إلى تقديم نفسها كفريق "معتدل" لا علاقة له بـ"القاعدة"، على خلاف الجبهة التي ترفض كل الضغوط القائمة لدفعها نحو فك الإرتباط، سواء كان ذلك بالتهديد أو الترغيب.

على الرغم من كل هذه المعطيات، أصر الظواهري على التبشير بـ"الربيع الإسلامي"، من دون أن يظهر أي مؤشرات منطقية على وجهة نظره، التي من المفترض أن تتضح تباعاً من خلال السلسلة التي ينوي تقديمها تحت هذا العنوان، إلا إذا قررت الجهات المسؤولة عن إخراج رسائله التراجع عن هذه الخطوة، لا سيما أن ردود الفعل الأولية عليها لا تبشر بالخير، لكن هل تكون مقدمة لتطورات كبرى على مستوى عمل التنظيمات التكفيرية؟

من حيث المبدأ، لن تلقى الدعوة إلى التوحد في مواجهة التحالف الدولي وباقي الأعداء، الذين حددهم بـ"الصليبيين والعلمانيين والنصيريين والصفويين"، الآذان الصاغية، خصوصاً لدى أنصار "داعش" الذين يصفون الظواهري بـ"دجّال القاعدة"، لا بل هناك أسئلة عن مدى قدرته على إدراك الواقع في سوريا والعراق، في الوقت الذي يجهل فيه وفاة الملا عمر منذ ما يقارب السنتين، ما يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية مغادرة المترددين من أنصار "القاعدة" التنظيم نحو "داعش"، الذي يمتلك إمكانيات كبيرة في المرحلة الراهنة، ناهيك عن الخلافات القائمة أصلاً في قلب "الإمارة الإسلامية" التي يتبع لها الظواهري في أفغانستان، بسبب وجود مجموعات ترفض زعامة الملا منصور، وأخرى أعلنت بيعتها البغدادي.

في المحصلة، سيكون لهذه الرسالة المفاجئة تداعيات مهمة في الأيام القليلة المقبلة، فهل يكون العالم أمام المرحلة الأخيرة من حياة "القاعدة"، مقابل تسلم "داعش" زعامة التنظيمات التكفيرية بشكل كامل، وما هو مصير القيادات والجماعات التي ترفص التسليم بهذه الحقيقة؟