أشار السيد ​جعفر فضل الله​، خطبتي صلاة الجمعة الى ان "الأسبوع الماضي حفل باعتداءات متواصلة على المسجد الأقصى، وصفت بأنها الأكبر منذ حريق العام 1969، وذلك ضمن توجه أعلن عنه الاحتلال، وهو تهويد القدس، وتقسيم المسجد زمانيا ومكانيا، وصولا إلى إخراج الفلسطينيين كليا منه وهدمه، مقدمة لبناء الهيكل المزعوم"، موضحاً انه "كالعادة، توالت على أثر ذلك بيانات الإدانة والتحذير والوعيد من بعض الدول والجهات العربية، وبشكل خجول جدا لا يعكس خطورة الموقف، وعلى كل حال، فلم نعتد على سوى ذلك من الأنظمة الرسمية العربية طوال تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، ولكن المخيف هو هذا الصمت العربي والإسلامي المدوي، حتى لكأن الناس غير الناس، والأرض غير الأرض".

ورأى فضل الله ان "فئة قليلة من المرابطين في المسجد يواجهون المحتل نيابة عن الأمة، في وقت تقطعت هذه الأمة أمرها، وعكست أولوياتها، واستبدلت أعداءها، وانقلبت على قضاياها، وبدلا من أن تهرب من تناقضاتها نحو التوحد على عدو الأمة، انكفأت على كل واقعها المأزوم، وأذكت نار العصبيات، ورهنت نفسها للمشاريع الاستكبارية، وتحول عدو الأمة لدى كثير من أبنائها إلى حليف يهلل لطائراته وهي تقصف بلاد المسلمين، ويعذر في تعذيبه وقتله وسجنه لشباب الأمة ورجالها ونسائها وأطفالها"، ذاكرةً ان "ما يجري في فلسطين اليوم حجة على الأمة، هو اختبار لمدى وجود النبض في قلبها، وهو فرصة أيضا لتجميد كل الخلافات السياسية والمذهبية، ولإيقاف كل الحروب التي لن يجني المسلمون منها سوى المزيد من الدماء والتدمير للحاضر والمستقبل، ريثما تهبط طائرة مصالح الدول الكبرى في مطار التهدئة. لقد اختصرت فلسطين في الماضي كل تاريخ الصراع في المنطقة، وكانت الخطط الاستكبارية تحرك الحروب والفتن الداخلية في هذا البلد العربي أو ذاك، لكي تكون محرقة لفلسطين القضية. هذا تاريخ جربناه وحدثتنا عنه أجهزة مخابرات المستكبرين ومذكرات ساساتهم".

واعتبر فضل الله ان "القوى المستكبرة ادركت باكرا أن الشعوب العربية والإسلامية هي التي حملت هم القضية طوال تاريخ الصراع، وهي التي أبقت الحياة فيها، على الرغم من كثرة المؤامرات والمتآمرين، وهذه الشعوب تجاوزت انتماءاتها المذهبية والطائفية على وقع الانتصارات المدوية على كيان العدو في لبنان وفلسطين، ولذلك تحركت قوى الفتنة من جديد لكي يتلاشى هذا الهم، ويخف النبض، ولكي تستغرقها كل أطرها الخاصة، وعدنا قبائل في عناوين مذاهب وطوائف وأعراق، "كل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر"، كما يقول الشاعر".

ولفت فضل الله الى ان "لبنان لا يزال يتأرجح بين عقم النظام والشلل السياسي من جهة، وقضايا الناس الحياتية من جهة أخرى، والتي أصبح الناس فيها متكلين على سياسييهم ليمنحوهم هذه الحقوق الحياتية، في وقت احترف الكثير من السياسيين امتصاص مقدرات البلد ومصادرة حياة الناس لمنافعهم الشخصية والذاتية، وهكذا بتنا في حلقة مفرغة لا بد من أن تكسر في مكان ما ليعاد شيء من النبض إلى الحياة السياسية"، موضحا انه "لا شك في أن المرحلة حساسة في المنطقة تجاه كل النيران المشتعلة، ولكن قدرة الناس على تحمل الوجع لها حدودها، أيعقل أن يصبح أمل الناس في الحصول على مجرد ساعات معدودات، من دون الارتهان لمافيات الماء والكهرباء، حلما مؤجلا إلى ما بعد الموت. فهل تريدون لإنسان هذا البلد أن يموت لكي يحقق حلمه في الآخرة، لأنه يئس من أن يحيا في الدنيا حياة طيبة".