فتح توقيف إمام "مسجد بلال بن رباح" السابق أحمد محمد هلال الأسير الحسيني الباب على مصراعيه نظراً إلى أنه يُعتبر من أبرز الإرهابيين المطلوبين الذين يتم توقيفهم أحياء، ولا يُقتلوا في المعركة أو خلال التواري، أو محاولة التوقيف...

وأيضاً بشأن المعلومات الهامة والهائلة التي يمتلكها المطلوب "رقم 1" على الساحة اللبنانية، وتوزّعت على أكثر من مرحلة تكشف الكثير من الملفات، وتميط اللثام عن جملة من الأحداث كان محورها، حيث أدلى باعترافات هامة وخطيرة خلال التحقيق معه في الأمن العام أو لدى مخابرات الجيش اللبناني، ما يشير إلى أنّه سيكون موضع استقطاب إعلامي خلال جلسات محاكمته في "المحكمة العسكرية الدائمة" في بيروت أو لدى قضاة التحقيق في المحكمة...

وهنا يُسجّل للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إنجاز توقيف الأسير، الذي تعدّت أصداؤه الساحة اللبنانية، لأنّه يشكّل ضربة قاصمة للخلايا الإرهابية، التي أصبح هناك إجماع لبناني وعربي ودولي على مواجهتها والتصدّي لها، نظراً إلى خطورتها وما تشكّله من زعزعة للأمن والاستقرار، وإشغال الدول العربية بقضايا داخلية، بدلاً من قضية العرب المركزية الأولى، قضية فلسطين، وهو ما يصب في المحصلة لصالح المخطّط الصهيوني...

مَنْ يعرف اللواء ابراهيم عن كثب، يعلم تماماً أنّه يتعاطى مع الملف كملف أمني، سواء لجهة خلايا تجسّس مع العدو الصهيوني أو الخلايا الإرهابية، فهما صنوان ينفّذان مشروعاً تآمرياً ضد لبنان من خلال عملاء وأدوات لبنانية وفلسطينية وسورية ومن المقيمين على الأراضي اللبنانية - أي إنّه لا يُنظر إلى جنسية وطائفة ومذهب وانتماء ومكان إقامة المطلوب، بل إلى جرمه، لأنّ انتماء هؤلاء هو إلى "حزب العمالة والإرهاب"...

وإذا ما سُجّل إنجاز أمني، لا يعني أنّ ذلك هو آخر المطاف، بل يُضاف إلى تراكمات إنجازاته في مواجهة المطلوبين، وأيضاً العمل على الولوج بملفات أخرى، منها ما أبصر الخواتيم السعيدة، ومنها ما يزال طور المتابعة والاتصالات لتحقيق النتائج المرجوة منه...

توقيف أحد الأجهزة الأمنية لمطلوب لا يُعفي أيّاً كان من الأجهزة عن بذل الجهود من أجل توقيف مطلوبين آخرين، قد تحول ظروف عدّة دون وقوعهم في "الشبكة الأمنية"...

ومهمة الأمن العام اللبناني كما الأجهزة الأمنية توقيف المطلوبين وإحالتهم إلى القضاء، الذي له كلمة الفصل بشأنهم في مراحل التحقيق والمحاكمة والاستئناف والتمييز...

"الصيد الثمين" بتوقيف ​أحمد الأسير​ جاء ثمرة جهود مضنية منذ اعتدائه ومجموعته على الجيش اللبناني في عبرا (23 حزيران 2013) بمتابعة ورصد أي معلومة لجهة تواريه وتخفّيه عن الأنظار، وصولاً إلى التمكّن من توقيفه في "مطار الشهيد رفيق الحريري" لدى محاولته المغادرة إلى نيجيريا عبر مطار القاهرة، على متن الخطوط الجوية المصرية (مصر للطيران) بمستندات فلسطينية مزوّرة بإسم خالد علي العباسي.

الملف المتشعّب والشائك الغني بالمعلومات التي أدلى بها الأسير يمكن تقسيمه إلى:

1- الفترة التي رافقت انطلاق ظاهرته وصولاً إلى ما سبق أحداث عبرا.

2- الاعتداء على الجيش اللبناني في أحداث عبرا، والذي أسفر عن استشهاد 18 ما بين ضابط وعسكري وجرح العشرات من ضبّاط وجنود الجيش، فضلاً عن قتلى مجموعة الأسير والضحايا والجرحى المدنيين.

3- التواري وتقديم الخدمات اللوجستية، التي تتوزّع فيها أدوار البعض لجهة مَنْ نفّذ ذلك تحت وطأة التهديد أو طواعية.

4- تشكيل خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية، تفجيراً واغتيالاً لقيادات سياسية وروحية وعسكرية.

5- مَنْ قدّم دعماً مالياً للتسليح والقيام بأعمال عسكرية.

* المرحلة الأولى: كُثُر شاركوا في أداء الصلوات في "مسجد بلال بن رباح" - عبرا، لكن بينهم مَنْ شارك في نشاطات الأسير المتعدّدة، وصولاً إلى الاعتصام الشهير الذي نفّذه على "بوليفار الدكتور نزيه البزري" - الشرقي على مدخل صيدا الشمالي (27 حزيران 2012 وحتى 1 آب 2012) أو في اعتصامات متعدّدة، وكذلك مَنْ انضم إلى خلايا لوجستية وعسكرية في الهيكلية التي أنشأها وتولّت إدارة كافة القضايا المتعلّقة بظاهرته، خاصة بعد إنشائه مجموعة مقاومة مسلّحة.

* المرحلة الثانية: المشاركون في "مجموعة الأسير" المسلّحة الذين قسّمهم ادّعاء القضاء على 5 مجموعات بين مَنْ حمل السلاح واعترف، أو ثبت بالأدلة والقرائن مشاركته - وإنْ كان متوارياً - أو مَنْ حمل السلاح وأطلق النار، ولم يعترف، ومَنْ انتمى إلى المجموعات المسلّحة ولم يحمل السلاح، ومَنْ قام بأدوار إدارية ولوجستية، ومَنْ لم تثبت أدلة بحقهم حول مشاركتهم بحادث الاعتداء على الجيش.

* المرحلة الثالثة: مَنْ ساعد الأسير على التواري بعد مغادرته المربع الأمني وتنقّله بين صيدا والشمال وجبل لبنان ومخيّم عين الحلوة، وبينهم مَنْ أُرغِمَ على ذلك.

* المرحلة الرابعة: الأفراد الذين توزّعوا على خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد سياسيين ورجال دين والجيش و"حزب الله"، ومنها ما نُفّذ وبعضها الآخر لم ينفّذ، وبلغ عدد المجموعات 8 تضم كل منها بين 4-5 عناصر، وقد أوكلت مسؤولية عدد منها إلى الفلسطيني شاهين أحمد سليمان (مواليد 1984)، الذي كان يُقيم في منطقة صيدا، قبل تمكّنه من أنْ يلوذ بالفرار إلى جهة مجهولة، وهذه الخلية التي انفردت "اللـواء" بالكشف حينها عن مخطّطها بتاريخ 4 أيار 2015.

وأيضاً الخلايا التي شاركت في القتال في بحنين والمنية، باب التبانة وجبل محسن في طرابلس.

* المرحلة الخامسة: مَنْ شارك بالدعم المالي، والذي يتوزّع على قسمين:

- الدعم المالي لإقامة نشاطات ومشاريع إسلامية ودعوية.

- الدعم لشراء الأعتدة العسكرية وتشكيل مجموعات مسلّحة، وتغطية تكاليف عمليات أمنية.

وهذا الدعم المالي توزّع بين شخصيات صيداوية ولبنانية، ومن خارج لبنان.

ويواجه الأسير ملفات قضائية عدّة تتوزّع بين قتل عسكريين والتحريض على القتل، وتأليف مجموعات عسكرية، واقتناء مواد متفجّرة وأسلحة، وتشكيل خلايا نائمة، والتخطيط لاغتيال شخصيات دينية وسياسية وعسكرية، ودعم خلايا إرهابية، ومنها "خلية بحنين".

بين المحكمة والقضاة

عدد من هذه القضايا أنجزت التحقيقات فيه لدى قضاة التحقيق العسكريين، وأُحيلت على "المحكمة العسكرية الدائمة" في بيروت، فيما البعض الآخر لا يزال في عهدتهم.

* القضية الأولى التي يحاكم بها الأسير هي "ملف أحداث عبرا"، الذي يشمل 72 شخصاً، بينهم 13 فلسطينياً وسوريين و4 مجهولي الهوية الكاملة.

وفي هذا الملف كان قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قد أصدر قراره الظني فيه بتاريخ 28 شباط 2014، وقسّم المتهمين على 5 مجموعات تبعاً للأفعال الجرمية، بعد تطابق معظم الإفادات:

- المجموعة الأولى: وتضم 54 متهماً من بينهم الأسير وفضل عبد الرحمن شمندر "فضل شاكر" وشقيقه محمد عبد الرحمن شمندر وأمجد محمد هلال الأسير ونجلي أحمد الأسير محمد وعمر.

ووجّه الاتهام إلى الأسير بـ:

أ- الإقدام على قتل ضباط وأفراد من الجيش اللبناني، طبقا للمادة 549 عقوبات.

ب- تأليف مجموعات عسكرية تعرّضت لمؤسّسة الدولة المتمثلة للجيش اللبناني، وهو الجرم المنصوص عنه بالمادة 335 و303 عقوبات.

ج- اقتناء مواد متفجّرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش اللبناني، ما يؤلّف الجرم المنصوص عنه بالمادة 5 و6 من قانون 11/1/1958 و314 و317 عقوبات و72 أسلحة.

- المجموعة الثانية: وتشمل المدعى عليهم الذين لم يعترفوا بإطلاق النار على الجيش اللبناني، لكن ثبت انتمائهم للمجموعات المسلّحة، وحملوا السلاح بنقاط تمركزهم خلال الاشتباكات، وهو ما يؤلّف عناصر جرم محاولة قتل لتلك العناصر وهو ما ينطبق على المادة 549/201 عقوبات والمادة 72 أسلحة.

- المجموعة الثالثة: وتشمل المنتمين إلى المجموعات المسلّحة، هدفها النيل من سلطة الدولة ومؤسّساتها، خاصة مؤسّسة الجيش اللبناني، ولكن لم يحملوا السلاح يوم الاشتباك، ما ينطبق على فعلهم المادة 335 و303 عقوبات والمادة 72 أسلحة.

- المجموعة الرابعة: وتشمل الذين انحصر دورهم بالأمور الإدارية واللوجستية - أي أعمال إدارية ومراقبة وتنظيم استمارات للمجموعات التي كانت تهدف للنيل من سلطة الدولة - وهو الجرم المنصوص عنه بالمادة 335 عقوبات.

- المجموعة الخامسة: وتشمل الذين لم تثبت أدلة بحقهم حول اشتراكهم بالحادث مع الجيش، لجهة اشتراكهم بالاشتباك أو أي دور آخر بالحادث، فاقتضى منع المحاكمة عنهم لعدم كفاية الدليل.

وهذا الملف قد أُحيل على "المحكمة العسكرية"، التي حضر الأسير أولى جلساتها (15 أيلول 2015)، وأرجأت إلى 20 تشرين الأول 2015.

* القضية الثانية التي يواجهها الأسير: ملف تقديم دعم إلى الموقوف خالد حبلص في القضية المعروفة بإسم اشتباكات بحنين في المنية ضد الجيش اللبناني، ما أدّى إلى استشهاد 4 عسكريين من الجيش، وأيضاً دعم "مجموعة حبلص" التي شاركت في معركة باب التبانة وجبل محسن.

وهذه القضية استجوب فيها القاضي أبو غيدا الأسير (27 آب 2015) وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.

* القضية الثالثة، التي يستجوب فيها الأسير: إنشاء خلايا إرهابية في مناطق عدّة في صيدا والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية ودينية، والتحريض بالاعتداء على المؤسّسة العسكرية، والتي استجوب فيها الأسير لدى قاضية التحقيق العسكرية نجاة أبو شقرا (20 أيلول 2015)، وأصدرت مذكّرة توقيف وجاهية بحقه.

والملفان اللذان يستجوب بهما الأسير لدى قاضيي التحقيق العسكري، تم الادعاء عليه بهما سنداً إلى المواد 335 و549/201 عقوبات والمادة 5 و6 من قانون 11/1/1958، والتي تصل العقوبات فيها إلى الإعدام.

هذا فضلاُ عن تكليف عدد من الأشخاص بتنفيذ تفجيرات، والإعلان عن تبنّيها، وفي مقدمها التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية في بئر حسن، ونفّذه معين عدنان أبو ظهر وعدنان موسى المحمد (19 تشرين الثاني 2013) وأدّت إلى استشهاد 23 شخصاً وجرح 160 آخرين.

والاعتداء الذي تعرّض له حاجز الجيش اللبناني عند محلة الأوّلي - المدخل الشمالي لمدينة صيدا، وأدّى إلى جرح عسكريين ومقتل شخص يدعى "أبو أيوب" العراقي وينتمي إلى تنظيم "القاعدة"، وكان قادماً من سوريا باتجاه مدينة صيدا، وهو خبير متفجّرات، بعدما حاول تفجير قنبلة يدوية كانت بحوزته.

وما جرى على مقربة من المكان لدى استحداث الجيش اللبناني حاجزاً عند تقاطع مجدليون - بقسطا، حيث تفاجأت سيارة من نوع جيب "انفوي" رمادية اللون يقودها اللبناني محمد جميل الظريف ومعه الفلسطيني بهاء الدين محمد السيد، وشخص يحمل هوية لبنانية بإسم إبراهيم إبراهيم المير (تبيّن أنّها مزوّرة)، ولدى طلب الرقيب سامر رزق منهم الأوراق الثبوتية ترجّل السيد واحتضنه وفجّر نفسه بواسطة قنبلة يدوية ما أدّى إلى استشهاد الرقيب الأول رزق وجرح أحد العسكريين ومقتل السيد قبل أنْ تطلق حامية الحاجز النار باتجاه الشخصين الآخرين اللذين قتلا وهما الظريف والمير، حيث عُثِرَ بداخل السيارة على حزام ناسف وقنابل (15 كانون الأول 2013).

إعلانه في تغريده له على الـ "تويتر" مع رابط لتسجيل صوتي نُشِرَ بتاريخ 3 كانون الثاني 2014 أنّ "انفجار الضاحية هو نتيجة طبيعة للجرائم التي ارتكبها نصراللات وحزبه وكل من يؤيده، بحق إخواننا في سوريا والقصير وقبل القصير وبعد القصير".

وهو يشير إلى الانفجار الذي نفّذه الانتحاري قتيبة الساطم في حارة حريك بتاريخ 2 كانون الثاني 2014، وأسفر عن 7 شهداء و77 جريحاً.

وبتاريخ 13 شباط 2014 نشرت "كتائب عبدالله عزام" عبر حسابها الخاص على الـ "تويتر" رابط فيديو حمل عنوان "غزوة السفارة الإيرانية" في بيروت، مع كلام سُجّل قبل تنفيذ العملية من الانتحاريين أبو ظهر والمحمد وهما من مناصري الأسير، وهو ما يشير إلى ترابط مجموعاته مع المجموعات الإرهابية.

وأيضاً استخدام مستندات رسمية وأوراق ثبوتية مزوّرة وهي وثيقة السفر وبطاقة الهوية بإسم خالد العباسي.

ماذا جرى في حادثة عبرا؟

بعد الإشكال الذي وقع بين مجموعة الأسير وعناصر تابعة لـ "سرايا المقاومة" الثلاثاء 18 حزيران 2013، وسقط فيه عدد من الضحايا والجرحى، تكثّفت الاتصالات لسحب فتيل التفجير، خاصة أنّ الأسير كان قد أعطى مهلة تنتهي ظهر الإثنين 24 حزيران من أجل إزالة الشقق التابعة لـ "سرايا المقاومة" في عبرا، وذلك بعد انتهاء الطلاب من تقديم امتحانات الشهادة الرسمية.

في الوقت الذي كان يُنهي فيه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان اجتماعاً ظهر الأحد مع رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة النيابية" النائب محمد رعد في منزل الحاج محمد كوثراني، تم خلاله التوافق على سحب فتيل التفجير بشأن الشقق التابعة لـ "سرايا المقاومة" في عبرا، سُجّل وقوع إشكال بين مناصري الأسير وعناصر الجيش اللبناني في محيط "مسجد بلال بن رباح"، حيث أُقيم حاجز ظرفي للجيش، فأوفد الأسير صهره أحمد الحريري والشيخ عاصم العارفي وأحمد قبلاوي إلى الحاجز، وأبلغوا الضابط المسؤول عنه أنّه يؤدي إلى مضايقة وإزعاج المصلين، وفقاً لاعترافات العارفي "فقد أبدى الضابط تعاوناً وتمت إزالة الحاجز".

في ذلك الوقت كان الجيش يفتّش على حاجزه سيارة من نوع مرسيدس فضية اللون تخص أحمد الحوراني ومعه فادي البيروتي، حيث عُثِرَ بداخلها على عصي خشبية، فجرى توقيفهما ونقلهما إلى مقر الكتيبة 14 في ثكنة الجيش اللبناني في الصالحية، للتحقيق معهما، قبل أنْ تصل أنباء ذلك إلى الأسير، الذي كلّف مجدّداً صهره أحمد الحريري متابعة الموضوع، فأجرى الأخير اتصالاً بشخص أبلغه بأنّه أفرج عن الشابين.

ولما حضر الشابان البيروتي والحوراني أبلغا الأسير بأنّهما تعرّضا إلى سوء معاملة، فأوعز الأسير إلى صهره أحمد الحريري التوجّه إلى الحاجز لإزالته قائلاً - وفق ما أظهرته تسجيلات كاميرات المراقبة التي تمت مصادرتها من مكتبه - "خلّصونا بقى... بيكفي إذلال... روحوا شيلولي ها الحاجز، وهيدي النقطة الموجودة على المدخل".

توجّه الحريري إلى الحاجز من أجل إزالته (وكان غير مسلّح) وبرفقته شقيقه أمجد الأسير، علاء المغربي فادي البيروتي، أبو علي ياسين ومحمد الصلاح، ولحق بهم أيمن مستو (وكانوا مسلّحين).

وبادر الحريري الضابط المسؤول عن الحاجز بالقول: "بدك تشيل الحاجز"، فردَّ عليه الضابط: "رجاع لَوَرَا"، لكنه لم يمتثل وأخذ يصرخ بوجه الضابط، حيث أقدم أحد عناصر الجيش على تلقيم سلاحه، فرجع أمجد الأسير بضع خطوات إلى الخلف، وأطلق النار باتجاه الضابط، فأرداه على الفور - وقد اعترف علاء المغربي بإفادته بالتحقيقات بأنّ أمجد الأسير هو أوّل مَنْ أطلق النار باتجاه الضابط، قبل أنْ يلي ذلك إطلاق نار ما أدّى إلى استشهاد ضابطين وجرح آخرين.

ولمّا شاهد أحمد الأسير ما يجري من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في مكتبه بحضور محمد العر وعلاء البابا، توجّه مباشرةً إلى مدخل المبنى ممسكاً بسلاحه ومرتدياً جعبته العسكرية، وطالباً من العناصر الانتشار الفوري على أسطح المبنى ومحيط المسجد، ومخاطباً إياهم "مزقهن تمزيق"، سائلاً عن فادي السوسي المكلف بإدارة المعركة العسكرية.

وأقدم محمد النقوزي "أبو حمزة" على إطلاق صاروخ لو باتجاه ملالة الجيش ما أدّى إلى إصابتها واحتراقها واستشهاد عدد من العسكريين.

وفي ضوء متابعة التحقيقات والمعطيات فإنّ الأسير لم يكن يوم الأحد في وارد فتح معركة ضد الجيش، فلم يكن كوادره وأفراد مجموعاته متواجدين داخل المسجد أو في أماكن الانتشار، بل كان كثر منهم في أعمالهم ومع عائلاتهم في نزهة، لكن بعد الإشكال الذي جرى مع حاجز الجيش، أرسل مكتبه رسائل مشفّرة إلى مناصريه توزّعت بين "تامر" - أي الالتحاق بالمسجد على عجل، و"أحمد" - أي تنفيذ انتشار واستنفار حول المسجد.

ويتّهم مناصرو الأسير طرفاً ثالثاً بأنّه هو مَنْ دبّر الحادث بإطلاق النار باتجاه حاجز الجيش - موجّهين الاتهام إلى "سرايا المقاومة"، وتحديداً من مبنى فوق "KFC" بهدف الإيقاع بين مناصري الأسير والجيش.

لكن اعترف الأسير بأنّه عقد اجتماعاً لـ"مجلس الشورى" التابع للمسجد، قبل أيام من حادثة عبرا، وجرى تكليف المسؤول العسكري والأمني فادي السوسي وضع خطة دفاعية جديدة - غير السابقة - التي كانت تقتصر فقط على كيفية الانتشار في ضوء التصدي لإزالة شقق "سرايا المقاومة"، بأنْ تحاكي الدفاع عن النفس ومقاتلة الجيش في حال حاول الدخول إلى المربع الأمني، مع تأمين أسلحة وذخائر.

وما هو تفسير عقد الأسير الاجتماع الطارئ لمجلس الشورى، وتكليف السوسي إعداد الخطة الجديدة لمقاتلة الجيش؟!

ومساء السبت عقد الأسير اجتماعاً طارئاً في منزله شارك فيه أفراد الجهاز العسكري، فحضر كل من: فادي السوسي، محمد النقوزي، راشد شعبان وحسن وأحمد دغيلي.

وبالفعل فقد أنجز السوسي وضع الخطة العسكرية الجديدة، والتي تحاكي إمكانية الدفاع عن النفس ومقاتلة الجيش وعدم التسليم أو الاستلام له، في حال حاول الدخول إلى المربع الأمني.

وأطلع السوسي المشاركين على الخطة الأمنية الجديدة التي تتضمّن انتشاراً خارج المربع الأمني لوضع الجيش ضمن "كماشة" ما بين المربع الأمني وخارجه، وهو ما جرى تنفيذه، ما يفسر العدد الكبير التي سقط من الجيش فبلغ 18 شهيداً و150 جريحاً.

وقد قُتِلَ السوسي خلال قتاله في سوريا حيث نعاه الأسير بتاريخ 22 كانون الأول 2014.

وبعد اشتداد المعارك، وفي ضوء اعترافات الأسير فإنّ فضل شاكر وصل إلى الملجأ، وارتدى لباسه العسكري مع مجموعته وقاموا بإطلاق النار ضد الجيش.

وقد أكدت زوجة الأسير، أمل شمس الدين أنّها عالجت شاكر من إصابة في بطنه، كما عالجت أحد نجليْ الأسير.

ومع تشتّت قوّات الأسير وفرار العديد من المقاتلين ونفاذ الذخيرة، قرّر فضل شاكر الانسحاب، وأبلغ الأسير بذلك، فغضب وراح يصرخ عندما سمع ذلك قائلاً: "ما بترك مسجدي، بفضل موت هون".

وبعد أنْ هدأ الأسير طلب من الراغبين من عناصره المغادرة وأنْ يخرجوا من المربّع الأمني قائلاً: "كل واحد يدبر راسو".

وقد حزم فضل شاكر أمره وغادر المربع الأمني مع عدد من مرافقيه، صباح الاثنين خلال مغادرة النساء والأطفال المنطقة، ووصل إلى المبنى الذي يقطنه أحمد هاشم في شارع الـ "زكازيك".

وبعدها أوفد شاكر أحد العناصر ممَّن رافقه بالمغادرة إلى الأسير، الذي اقتنع بمغادرة مكان تواجده، وهو ما جرى، فغادر وبرفقته زوجتيه أمل وسمر وأولاده محمد، عبد الرحمن وعمر وشقيقه أمجد، وانتقلوا إلى منزل أحمد هاشم، وكان الأسير "منقباً"، وهو ما ينفي أنه خرج مكشوف الوجه، قبل أنْ يطلب من هاشم إحضار ماكينة حلاقة، حيث قام بحلق لحيته وتبديل ملابسه، وطلب منه أنْ ينقل زوجتيه إلى الهلالية عبر طرق فرعية خالية من الحواجز.

ولما أنجز أحمد هاشم المهمة عاد وأبلغ الأسير بذلك، فاستقل الأسير سيارة والد أحمد هاشم، وهي من نوع مرسيدس شبح سوداء اللون، مع أولاده وشقيقه أمجد، وسلكوا الطريق ذاتها.

بعد ذلك تنقّل الأسير بين شرقي صيدا ومخيّم عين الحلوة وطرابلس وبرمانا، وصولاً إلى جدرا، حيث كانت محطته الأخير قبل التوجّه للمغادر عبر "مطار الشهيد رفيق الحريري" وتوقيفه من قبل الأمن العام اللبناني.

شاكر ينفي

ونفى شاكر ما نشر حول اعترافات الأسير عن تورّطه في معارك عبرا ضد الجيش اللبناني.

وقال في تغريده عبر حسابه على "تويتر" بتاريخ 17 أيلول 2015: "السلام عليكم طالعتنا بعض الصحف اليوم، بما أسموها اعترافات أحمد الأسير، تؤكد تورط فضل شاكر في معارك (عبرا) ضد الجيش اللبناني، صورت وكأني ذلك القائد العسكري، الذي يقود الجحافل وعندما هزمت انسحبت".

وختم: "إني أنفي نفياً قاطعاً ما ورد في هذه التقارير التي أجهل من أين أتت، وهي لا تمت للحقيقة بأي صلة".