لا هو الجيش الاحمر ولا جيش بطرس الاكبر. صحيح ان ​الجيش الروسي​ تاريخيا خاض حروبا تشبه ما هو قائم اليوم، وخصوصا ايام القيصر ضد العثمانيين وطردهم من القرم، لكن عنوان المعركة التي يخوضها "جيش فلاديمير بوتين" اليوم أسمى. هو يشن ضربات ضد الارهاب. هنا الإشكالية والتباين في التوصيف المدروس بين دول غربية وعربية من جهة وموسكو من جهة ثانية: هل كل فصائل المسلحين في سوريا إرهابية؟

اذا سلّمَت تلك الدول بإنطباق الوصف الإرهابي على تنظيم "داعش" فقط لا غير، فماذا عن ممارسات "​جبهة النصرة​" مثلا، او "​جيش الفتح​" و"​أحرار الشام​" ومجموعات اخرى عدة تعددت تسمياتها وتوحدت غاياتها؟

هل قصف المدنيين في دمشق بقذائف الهاون من قبل "المسلحين المعتدلين" هو عمل غير إرهابي؟ ام اعلان الانسجام على الاقل مع فكر "القاعدة" هو اعتدال؟! هل خطف "النصرة" لعسكريين من ​لبنان​ هو فعل ثوري معتدل؟ ام رفع شعارات القتل والوعيد والتهديد عند باقي الفصائل هو عنوان ثورة مجيدة؟! هل معاقبة وتهجير وحصار مواطنين وبلدات على اساس مذهبي او طائفي هو فعل طبيعي لثوار وطنيين معتدلين؟!

الم تجتمع كل فصائل المسلحين عند تلك الافعال الجرمية وتتسابق على تنفيذها؟

تلك أسئلة يستحضرها السوريون قبل غيرهم. هم يعلمون ان تصنيفات الغرب خاضعة للمصالح الدولية. هذا لا يغير بطبيعة المعركة. قد يكون الجواب الأوضح الان في درعا التي فاق عدد "التائبين" فيها الألف مسلّح. يقول السوريون: لو قدّر لمسلحين في شمال البلاد ما يحصل في جنوبها لتسابقت مجموعات "تسوية الأوضاع".

هذا هدف الضربات الروسية اساسا بالتنسيق الكامل مع دمشق: استهداف الإرهابيين وفتح الباب للعائدين الى حضن الوطن.

يرى مطلعون سوريون ان حجم الاستهداف الروسي شمالا سيثمر في كل أنحاء البلاد ميلا نحو اعادة الامن والاستقرار.

جرّب السوريون خمس سنوات من القتل والإرهاب والتهجير وتدمير الاقتصاد واستهداف المواطن بعملته ومعيشته وحياته. هل يمكن ترك البلاد في أزمتها المفتوحة وتهجير السوريين الى مساحات العالم؟ المهجرون هربوا من المناطق المحسوبة على "المعارضة" بشكل أساسي، ومن بينهم مسلحون فروا تاركين السلاح وتاريخ من ارتكاب جرائم الذبح.

يأتي الاستهداف الروسي ليخلّص السوريين من مجموعات مسلحة استباحت بلادهم، فبات المواطن في منطقة منبج في ريف حلب مثلا، في خدمة متطرف أفغاني، وصار سوري آخر في تصرف ايغوري صيني.

من مصلحة السوريين الخلاص للدخول في تسوية سياسية تحفظ ما بقي من البلد، لا البقاء في دوامة العنف المفتوح.

المصلحة الاولى للسوريين. اما المصلحة الثانية من خلال الحرب الروسية للبنانيين، ثم ​الأردن​يين والعراقيين والمصريين، وحتى دول الخليج.

اذا حيّدنا المصالح او المكابرة جانباً، كيف سيتعامل لبنان مع أزمة اللاجئين السوريين؟

رئيس الحكومة ​تمام سلام​ الآتي من اجتماعات نيويورك الدولية لم يلمس اهتماما بالوضع اللبناني. لبنان متروك في مواجهة تلك الازمة، في ظل تعدد التقارير عن انخفاض مرتقب في دعمه ماليا لتحقيق متطلبات النازحين. اقتصاد لبنان على حافة الهاوية كما تقول التقارير الاقتصادية. فمن يساعد لبنان؟ اذا بقيت ​الأزمة السورية​ مفتوحة سيبقى النزوح عبئاً، والحل يكمن بنجاح الضربات الروسية ضد الارهاب لفرض تسوية سياسية تعيد اللاجئين السوريين الى بلدهم. لبنان لا يتحمل ومرور الوقت ليس في مصلحته ابداً.

الامر لا يقتصر عند هذا العنوان. تهديد الإرهابيين قائم للبنان طالما الازمة السورية مستمرة والحدود الشرقية مأزومة وخصوصا لجهة عرسال.

امر ينطبق على الأردن المعرّض للابتلاع من قبل المتطرفين الإسلاميين في حال نجاحهم في سوريا، رغم ان المملكة الهاشمية ارتكبت أخطاء كما يقول السوريون في دعمها طويلا من دون جدوى مسلحي درعا وادارة غرفة "الموك". اليوم يعود الوعي الى "المضللين" في درعا، فهل تعود عمان الى رشدها؟

مصر التي تخوض حربا مشابهة للحرب السورية، تتضامن عمليا مع دمشق. العنوان هو نفسه سواء مع "​الاخوان المسلمين​" او جماعة "​بيت المقدس​" في ​سيناء​. لذلك تتقاطع مصالح القاهرة مع دمشق لكن المصريين يراعون مبدئيا الموقف السعودي مما يجري في سوريا.

الفصل في الميدان بإنتظار ما ستحمله الايام المقبلة. الخطة الروسية-السورية تقضي بإستهداف قدرات المسلحين تمهيدا لحرب برية سيخوضها ​الجيش السوري​ وحلفاؤه بدءا من الشمال. لكن معلومات وصلت الى دمشق عن استحضار عناصر جديدة من "​تنظيم القاعدة​" الى سوريا عبر الاراضي التركية. حتى ان الحديث الاعلامي عن قدوم مرتقب لعشرات آلاف الجنود الروس الى سوريا يهدف غربياً لإثارة المتطرفين وجذبهم للقتال، واستعادة تجربة حرب أفغانستان التي خاضها "الجيل الاول" من "القاعدة" ضد الروس.

هذا الأمر يوحي الان بأن الغرب عاجز عن صد الاندفاعة الروسية المنتجة، فالحرب لم تعد ممكنة بين "الكبار". البديل هو الضغط الاعلامي والسياسي للإيحاء بان القوات الروسية تخوض معركة ضد المسلمين السنّة. هذه التعمية يراد منها أيضاً وضع المسلمين في إِمْرَةِ المتطرفين "القاعديين" او "الدواعش". ولذلك جاء تركيز واشنطن والعواصم الأوروبية على تلك المعزوفة. تبعها موقف بريطاني يتوقع انضمام كل المسلحين في سوريا الى "داعش".