مع انطلاق طائرات «السوخوي» الروسية في الاجواء السورية لتدشين أوّل حملة حربية روسية في الشرق الاوسط، سادت تكهنات في الكواليس الديبلوماسية بأنّ هذه الحملة ستكون سريعة وأنّ واشنطن لم تكن بعيدة عن التحضيرات التي سبقتها.

جاءت الاشارات الاميركية اللاحقة لتؤكّد هذه التكهنات خصوصاً مع إعلان واشنطن أولاً عن تنسيق عسكري لتنظيم الاجواء ومنع التصادم، وثانياً أنّ أولويات العاصمة الاميركية في هذه المرحلة لا تلحظ سوريا، ما يعني ضمناً منح موسكو الضوء الأخضر للاستمرار بعملياتها.

ويتردّد على نطاق ضيّق أنّ القيادتين العسكريتين في كل من واشنطن وموسكو كانتا قد درستا هذا الملف في لقاءات عدة عقدت بينهما في بروكسيل منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر.

واستتباعاً لهذا الاتفاق، وضعت واشنطن الحكومة الاسرائيلية في التطورات التي تنتظر سوريا كون ذلك له علاقة مباشرة بالمصلحة الامنية الحيوية لإسرائيل، ما أدى الى زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى موسكو ومن ثم فتح آفاق التنسيق المباشر بين الجيشين الروسي والاسرائيلي.

المهم أنّ موسكو التي تحدثت عن حملة عسكرية سريعة كانت قد حدّدت هذه المدة بثلاثة او اربعة اشهر، لكنّ هذه المدة مرشّحة لأن تتمدّد لتصِل الى الستة اشهر كما تتحسّب القيادة العسكرية الايرانية.

في الاهداف العسكرية بات واضحاً أنّ روسيا تسعى لمساهمة حاسمة «لتنظيف» كامل رقعة «سوريا المفيدة»، بما في ذلك ريف دمشق الذي تنتظره معارك حامية. أمّا الهدف الأهم وربما الهدف الختامي للحملة العسكرية، فيبقى حلب.

ذلك أنّ الرئيس السوري يريد استعادة حلب التي عرفت بالعاصمة الاقتصادية نظراً لكثافتها السكانية وثقل العائلات السنيّة فيها، والتي تنتمي الى الطبقة الاقتصادية. إضافة الى الاهمية الاستراتيجية لحلب، والتي كانت تسعى تركيا لجعلها عاصمة المنطقة الشمالية وذلك بعد بَسط سلطتها على كامل الشمال السوري من خلال مشروعها بفرض منطقة حظر جوي.

من هنا يُفهم التمهيد الروسي لمعركة حلب مع بدء الحملة الجوية من خلال توجيه رسائل حازمة عبر خرق أجواء تركيا في منطقة الاسكندرون حيث الغالبية من الطائفة العلوية التي باتت تعتبر من أشد المعارضين للرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

ولم تقتصر الرسائل الروسية الحازمة على ذلك فقط، بل على تسليح الاكراد لأنهم جزء من التحالف ضد الارهاب، فيما هؤلاء يخوضون حرب عصابات قوية مع الجيش التركي. الرسالة الروسية واضحة: عدم قطع الدعم لـ»داعش» في المنطقة سيؤدي إلى هزّ الاستقرار التركي الداخلي، لذلك نفّذ التنظيم تفجيراً تحذيرياً في انقرة.

وفي ريف حلب باشَر الجيش السوري مدعوماً بقوات النخبة في «حزب الله» وتحت غطاء جوي روسي، المعركة الأصعب. والواضح أنّ الهدف المباشر هو انتزاع كامل الريف وتطويق منطقة «داعش» داخل حلب.

وهنا السؤال: هل يكتفي التحالف في ذلك على أساس أنها أصبحت منطقة ساقطة عسكرياً، وبالتالي ضرورة شطبها من المعادلة الميدانية التي ستترجم في المعادلة السياسية من خلال مفاوضات «جنيف 3»؟ أم انّ هناك من يريد السيطرة على كامل المدينة ما قد يأخذ وقتاً طويلاً ويدخل الوضع في رمال متحرّكة يصعب التكهن بنتائجه؟

الخبراء العسكريون الغربيون الذين يراقبون عن كثب مسار المعارك يتحدثون عن نجاح كبير حتى الآن للضربات الروسية. فالطائرات نجحت في تدمير شبكة التواصل اللاسلكي لـ»داعش»، والتي قيل إنّها كانت متطورة جداً وتشكّل ورقة قوة له. ونجحت المرحلة الثانية أيضاً في تدمير مقرات القيادة وقطع طرق الامداد ما سَهّل تقدم القوات البرية.

في موازاة ذلك تنشط التحضيرات السياسية، حيث تبدو اللقاءات الروسية - السعودية الأبرز والاكثر أهمية على هذا الصعيد. ولفت في هذا الاطار أنّ الطائرات الروسية استهدفت بقوة «داعش» و»النصرة» وكلّ المجموعات المحسوبة والمرتبطة بتركيا وقطر. أمّا المجموعات المحسوبة على السعودية فكان استهدافها عرضياً، ما يعني أنّ موسكو متفاهمة مع الرياض على دور لها وحدها في إطار المعارضة للمرحلة اللاحقة.

وهذا الأمر بمثابة بارقة تفاؤلية بالنسبة إلى سوريا ولبنان. صحيح أنّ روسيا تسعى لدور طويل وكبير بعد انتهاء العملية العسكرية، لكنّ هذا الدور سيكون بالشراكة مع ايران والسعودية، وهذا ما يُفسّر القاعدة الضخمة التي تنوي إنشاءها وتهدف الى حماية هذا الدور.

ولأنّ شبح التسويات يلوح في الافق تتحضّر الامم المتحدة في ربيع 2016 لقمة تتمحور حول المساعدات الانسانية والدولية للدول المحيطة بسوريا، والتي تتحمّل عبء النازحين. صحيح أنّ موعد القمة بعيد نسبياً ما يضع علامات استفهام، لكنّ نتائجها ستؤدي الى دعم اقتصاد الدول التي تعاني، مثل إلغاء فوائد الديون على لبنان، ووَضع خطة لإعادة النازحين الى ديارهم بعد رسم خطط إعادة الاعمار.

يروى في الكواليس أنّ السعودية ناقشت مع المسؤولين الروس في تركيبة الحكومة المقبلة وتوازناتها والقوى الممثلة للمعارضة فيها فيما يشبه صيغة اتفاق الطائف التي اعتمدت في لبنان.

وكذلك أبدَت السعودية عدم معارضتها لبقاء موقّت للرئيس بشار الأسد يصِل الى سنة ونصف السنة، ذلك أنّ الرياض تُدرك أنّ الرئيس باراك اوباما لن يضغط على ايران في اتجاه تغيير الاسد الآن وأنّه لا يزال أمامه سنة لانتهاء ولايته، والرهان على رئيس جمهوري سيحتاج لبضعة أشهر لتركيب إدارته، ما يعني أنّ فترة السنة ونصف السنة أصبحت حكماً في جيب الأسد.

كلّ ذلك يعطي الأمل للبنان، لكنّ المشكلة تكمن في طول المعارك، فيما المؤسسات في لبنان تتهاوى مع احتمال استقالة العماد ميشال عون من مجلس النواب لفرض انتخابات نيابية... خطوة ستفتح الباب أمام لبنان لولوج المؤتمر التأسيسي بموازاة البحث في «الطائف السوري». هو احتمال قائم ولو أنّه لم يصِل بعد ليصبح قراراً، لكنّ السؤال المحيّر: لماذا ساهم تيار «المستقبل» في الوصول الى هذه المرحلة؟