منذ أسابيع أجرت صحيفة "الأهرام" المصرية حواراً سياسياً مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، تحدث فيه بشكل أساسي عن مخاطر الارهاب في المنطقة. كان يقصد عملياً وجوب التعاون بين القاهرة ودمشق لمحاربة متطرفين إسلاميين ينحدرون جميعهم من اصول "إخوانيّة". المقابلة مع علي تأتي في سياق التغيير المصري ازاء الموقف من الازمة السورية.

بالنسبة الى السوريين والمصريين، فإن "الاخوان" هم من خرّجوا مؤسسي المدارس الاسلامية المتطرفة.

لا يمكن ان تقبل دمشق ولا القاهرة بضم "الاخوان" الى اي حكومة تسووية في البلدين. من هنا جاء قرار ابعاد تلك الجماعة عن انتخابات مصر. وستدعم القاهرة فيما بعد موقف دمشق بعدم استيعاب "الاخوان" في اي حوار او حكومة تشاركية متوقعة في سوريا بعد الانتهاء من ضرب الارهاب.

كانت طهران حليفة دمشق تتمايز عن موقف السوريين في السنوات الماضية. كان انتقاد "الاخوان" في طهران ممنوعاً لانه "يؤثر على الوحدة الاسلامية". نظم آنذاك ال​إيران​يون مؤتمرات اسلامية بهدف تقريب المسافات، وأبقوا علاقاتهم جيدة مع "الاخوان".

في البداية كان العامل الاسلامي هو الدافع. يومها كان الإيرانيون يقولون ردا على من ينتقد علاقتهم "بالإخوان": يجمعنا الرسول محمد.

منذ عام 2011 ازداد الشرخ المذهبي نتيجة توسع أزمات الساحات العربية. كان حينها الإيرانيون يتقربون من "الاخوان" بإعتبارهم الفصيل الاسلامي المنفتح على النقاش. كانت طهران تعتقد ان حركة "حماس" يمكن ان تشكل ضمانة العلاقة بين الفريقين، خصوصا ان الجمهورية الاسلامية الإيرانية صاحبة فضل على "حماس". لا يمكن إنكار ان طهران هي التي موّلت وجهّزت وسلّحت ودرّبت حركة المقاومة الاسلامية، وساهمت مع دمشق في جعل "حماس" تصل الى مكانة مرموقة في المقاومة ضد اسرائيل. لكن مجريات السياسة لم تأت لصالح الرهان الإيراني.

فهل ما زالت القناعة الإيرانية راسخة إزاء نوعية العلاقة والاحتواء لجماعة "الاخوان المسلمين" مهما يكن؟

في الشكل العلاقات لم تنقطع، وفي الجوهر أتى انتقاد رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي "للإخوان" ليشكل اعلان مرحلة التحول.

قبل الحرب اليمنية كان الصحافي المصري ​محمد حسنين هيكل​ يسعى لترتيب العلاقة بين القاهرة وطهران. كان يخطط لزيارة تمر ببيروت وربما دمشق. لكن الحرب اليمنية وخلفيات النزاع السعودي-الإيراني، معطوفة على طبيعة العلاقة الممتازة المصرية مع الرياض منعت ترتيب العلاقات المصرية-الإيرانية.

اليوم تغيرت المعادلات. مصلحة ايران تكمن بالمصالحة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودعم توجهاته ضد "الاخوان"، لاعتبارات عدة، تبدأ من ممارسة "الاخوان" سياسة مناقضة بالمطلق لتوجهات الإيرانيين، عطفاً على طبيعة التحالف القائم بين كل فصائل "الاخوان" بمن فيهم "الحمساويين" وتركيا وقطر ضد مصالح ايران.

كما ان "الاخوان" كانوا رأس حربة في خوض الحرب السورية والاستنفار المذهبي وانتقاد الدور الإيراني او المؤازرة التي يقوم بها "حزب الله" للدولة في سوريا.

أتى التعاون الروسي-الإيراني في شأن سوريا ليعمّد بالدم العلاقة بين طهران وموسكو. هنا دمشق هي صاحبة الفضل في جمع حليفيها، ما يعني ان التحالف لا يكون على اساس ديني ولا عقائدي، بل يستند الى مصالح. هذه المعادلة ثبتها "الاخوان" اولا، ووجدت طهران نفسها تمضي وفق هذه المعادلة.

أيضاً العلاقة بين ​روسيا​ ومصر تطورت بشكل لافت الى حد التحالف العسكري والسياسي، واستعادة أمجاد العلاقة ايام الاتحاد السوفياتي والرئيس جمال عبد الناصر.

صارت المعادلة قائمة على اساس: مصر حليفة روسيا، وطهران حليفة موسكو، سوريا حليفة الروس والإيرانيين. ايضاً الحرب التي تخوضها دمشق تشبه الحرب التي تخوضها القاهرة: نفس العدو المسلح المتطرف، اضافة الى الموقف الموحد من "الاخوان".

بما ان دمشق وموسكو حليفتا القاهرة وطهران، وجب على الإيرانيين والمصريين التقارب وفق معادلة: حليف حليفي حليفي.

الدور الذي يمكن ان تلعبه دمشق في ترجمة تلك المعادلة أساسي. هي بدأت بلم الشمل. ما يعيق اعلان النتائج هو عدم إغضاب مصر للمملكة العربية السعودية، ما يعني انتظار مصير حرب اليمن.

القاهرة توسع دائرة علاقاتها وتعود الى دورها الريادي. هذا ما ينادي به السوريون كما بدا في حديث السفير علي لصحيفة "الأهرام" او من خلال زيارات سرية متبادلة تجري بين الأمنيين والعسكريين المصريين والسوريين، انتجت جميعها معارضة القاهرة لمطلب أميركي-سعودي بشأن "رحيل الرئيس السوري بشّار الاسد". هي مع تحديد الشعب السوري ما يريد عبر الانتخابات.

في توسيع الدائرة المصرية اهتمام ضمني بلبنان. وفي الإشارات زيارة السفير المصري في لبنان محمد بدر الدين زايد الى بنشعي للقاء رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​. لا تقتصر الإشارات على حسن العلاقات تاريخيا بين "المردة" والقاهرة، بل ان موقع فرنجية لبنانياً وصداقته مع الرئيس السوري بشار الاسد ومكانته في صلب "محور المقاومة"، يدعمون فكرة التوجه الجديد للقيادة المصرية، خصوصا ان السفير المصري تحدث إيجابا من بنشعي عن العمليات العسكرية الجوية الروسية في سوريا، مطالبا بتوسيع المواجهة مع الارهاب.

اذا كان اهتمام العواصم بفرنجية الآن، له صلة بالانتخابات الرئاسية لان حظوظه تقدمت جداً في الآونة الاخيرة، فإن زيارة وكلام السفير المصري في بنشعي في عز انشغال بلاده بالانتخابات البرلمانية يرمزان الى ان التحالفات تتظهر والخيارات تتبلور. مصر باتت في قلب المعادلة الإقليمية والمدخل هو الانخراط في المعركة الموحدة ضد الإرهاب. تلك هي الأولوية قبل اي حديث سياسي او تحديد مشاهد الدول.