تزوّجها لأجل مالها، تزوّجته لأجل نيل الجنسية الفلانية، أو العكس. غالبًا ما نسمع بهذه الزيجات قد حصلت في مجتمعنا، فالزواج الذي هو رباط مقدس بين شاب وفتاة مبني على الحب والمودة، يمكن ان يكون في احيان كثيرة، زواج مصلحة.

تختلف الآراء حول هذا النوع من الزواج، فمنهم من يرى به زواجًا حسنًا، مثل سارة شمس التي تؤيّد زواج المصلحة. وتقول: "أنا مع زواج المصلحة، شرط أن يترافق مع احترامٍ متبادَل وصراحة تامّة، إذ إنّه من خلال ذلك، تنشأ علاقة مودّة وحبّ وثقة مع مرور الزمن، وبذلك يكون الطرفان قد نالا ما يريدان من خطوتهما هذه". ومنهم من يعارضه بشدّة مثل ميرا التي تظنّ أنّ هذا الزواج لا يدوم. وتشير إلى أنّ "زواج المصلحة يؤدّي دائمًا إلى المشاكل، لانه مبني على الاستغلال ونية الوصول الى هدف معين بعيد كل البعد عن الاهداف الحقيقية للزواج"، لافتة إلى أنّ امرأة أرملة تعرفها تعرّضت لغشّ من قبل شاب أصغر منها بالسنّ أوهمها بالحب والزواج وتزوّجها لأجل مالها الذي ورثته عن زوجها المتوفي، ثم تركها بعد ان اخذ منها ما تملك.

وفي الحديث عن زواج المصلحة، تبقى "الجنسية" الهدف الابرز، وهذا ما حصل مع رامي الذي تعرف على "زوجته السابقة" سارة (اسم مستعار) عبر احد الجيران، وهي كانت تحمل الجنسية الالمانية اضافة الى اللبنانية. ويقول رامي: "طمعت بالجنسية وتغاضيت عن عدة أمور اخرى وتزوجتها رغم انني لم أكن على وفاق كامل معها، وسافرت الى المانيا وهناك انتهت قصتي قبل ان تبدأ"، ويشير إلى أنّ الفتاة "تحوّلت" عندما وصلت إلى ألمانيا وازدادت المشاكل وحصل الطلاق وعاد الى لبنان مُنكَسرًا.

بالاضافة الى الرأي الذي يوافق على مثل هذه الزيجات، كان للبعض رأي وسطي بين التأييد والرفض، فعلاء مثلا يرى ان "كلمة مصلحة بحد ذاتها ستُعطي انطباعًا خاطئًا، نّ الانسان بالمفهوم الطبيعي للامور عليه رفض أشكال الاستغلال كافة، انما في بعض الاحوال من الممكن ان يكون هناك مصالح مشتركة بين الطرفين، وعندها يصبح القبول بزواج المصلحة أمرًا بديهيًا"، مشيرًا في الوقت عينه الى ان استغلال الاشخاص وعواطفهم للوصول لغاية معينة هو أمر مرفوض وقد يسبب مشاكل كثيرة بالمستقبل خاصة اذا ما نتج عن الزواج أولاد.

وفي سياق الحديث، يشير الشيخ ​علاء شحرور​ الى ان النظر والتأمل ولو المستعجلين في هذه الاية المباركة "ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم 21)، يمكن له ان يترك اثرا كبيرا في وجدان الناظر المتأمل، ذلك ان الله تعالى جعل ما يُطلق عليه في ادبياتنا المعاصرة بـ"مؤسسة الزواج" من دلائل عظمته وحكمته وبراهين ألوهيته"، مشيرا الى ان الإسلام رفع قيمة الزواج الى المحلّ الانساني الراقي حيث أخذ بعده الانساني حين اراد الله لهذه المؤسسة ان تكون ذلك المكان الهادىء والدافىء والمفعم بالانسانية والذي عبر عنه الله "بالسكن" حيث قال "لتسكنوا اليها" وقال "وجعل بينكم مودة ورحمة"، مع انه يبقى مجال كبير للتأمل اكثر.

ويضيف الشيخ شحرور: "يبقى ايضا للاسف مجال حيث يغفل كثير من الاشخاص عن هذا البعد الانساني للزواج ويتعاطى معه من زوايا مختلفة ومتعددة تسلب عنه رونقه الانساني وتبعده عن الهدف الاساس والحِكم التي شُرع لاجلها وتقوده سريعا نحو الانهيار".

ويشير الى ان من هذه المنطلقات السيئة التفكير بالمصالح المادية العابرة والزائلة كالطمع بالحصول على المال او المنصب، وحتى الطمع بالحصول على الرغبة والشهوة الحيوانية الكامنة في داخل الانسان، ان قصر نظره عليها، وإلا لم يكن الامر مذموماً لانه احد اهداف الزواج المشروعة فلا يودع الله الحكيم تعالى فينا رغبة ثم يمنعنا من اشباعها بالطريق المحلل، ويؤكّد "ان الاسلام الحنيف قد حذر من زواج المصلحة ونبه الى عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع واشار بوضوح الى ان الزواج الذي تكون فيه المصلحة المادية هي الهدف، فإنه محكوم بالفشل والنزاع في غالب الحالات، واذا ما استمر فإن انعكاسه سيكون على ثمرة هذا الزواج (الابناء) سيئاً دينياً واخلاقياً.

وفي ذات الوقت يلفت الشيخ شحرور الى ان الاسلام قد أوضح المعايير التي تكفل قيامة هذه المؤسسة ونجاحها بما يحقق الاهداف الراقية التي شُرع الزواج لاجلها وهذه المعايير مختصرة بالدين والاخلاق حيث ورد عن النبي محمد (ص) انه قال "اياكم وخضراء الدِمن" فقيل وما خضراء الدِمن يا رسول الله، فقال : "المرأة الحسناء في المنبت السوء".

لا تختلف النتيجة التي ذكرها الشيخ شحرور عما يراه الراهب اللبناني الماروني الأب الدكتور ​يوسف مونس​، وان اختلفت بعض التفاصيل، فمونس الذي يبدأ حديثه بتعريف الزواج لدى المسيحيين بأنه "سرّ" وهو أحد الاسرار السبعة المقدسة، وانه عبارة عن عهد بين رجل وامرأة لبناء عائلة عائلة والمحافظة على تعاليم الكنيسة، يشدد على ان الحب والمودة هما اساس الزواج لدى المسيحيين، معتبرا بالتالي ان "المصلحة" إنْ دخلت في هذه العلاقة الروحية أفسدتها، ولا يصح اتمام الزواج الذي يكون اساسه مصلحة مادية او اي نوع اخر، مشيرا الى ان الامر يبقى على هذه الحال طالما عُرفت غاية الزواج وهذا قد لا يحصل كثيرا.

ويضيف مونس في حديث لـ"النشرة": "يتم الزواج طالما يوجد حب ونية لبناء عائلة وتأسيس مجتمع صالح، أما زواج المصلحة فهو لا يبني وطنًا أو بيتًا ولا حتى عائلة".

في المقابل يؤكد مصدر من داخل المحكمة الجعفرية في الجنوب أن زواج المصلحة هو نوع من انواع الزواج التي غالبا ما تحصل في كل المجتمعات، ومنها اللبنانية، خصوصا ان شرط "المصلحة" لا يُعد مانعا للزواج. ويضيف: "في عدد من حالات الطلاق نجد ان "المصلحة" التي ادت لانعقاده هي السبب بفرطه ايضا، اذ سرعان ما يتم فضح النوايا او حتى تحقق "المصلحة" التي من أجلها جاء الزواج، او حتى وصول الزوجان الى قناعة بأن التفاهم المنعدم بينهما لا يمكن ان يُعوض بأي شيء يتيح للزواج الاستمرار"، مشيرا الى ان هذا النوع من انواع الزواج يُخرج الاخير عن حقيقته وبالتالي من الافضل دائما الابتعاد عنه.

اذا "يجوز" انعقاد الزواج على اساس المصلحة خاصة ان عُرفت النوايا الحقيقية، ولكن الحذر من هذا الزواج سيكون واجبا، لان نهايته ستكون سيئة كما تدل اغلب التجارب التي تجري من حولنا، ففي النهاية الزواج يقوم على الاحترام والمودة والحب لا على مصالح شخصية مادية.