يشكّل موسم قطف ثمار الزيتون في فلسطين مصدر رزق كبير لكثير من العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة(1)، التي تنتظر الموسم في بداية شهر تشرين الأول من كل عام، في وقت يرى مزارعون وجهات رسمية أن نسبة الانتاج هذا العام محدودة بسبب ما وصفوها بالعوامل الفسيولوجية وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي يعاني منها قطاع غزة.

ويتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج الزيتون أو "موسم البركة"، كما يطلق عليه المزارعون الفلسطينيون لأنه يتميز بانتاج أفضل أنواع الزيت والزيتون في العام، لهذا العام 2015، قرابة 14 ألف طن مقابل 20 ألف طن من العام الماضي، إذ تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في قطاع غزة، نحو 35 ألف دونم كشجر مثمر وغير مثمر، ما يعني أن انتاج الدونم الواحد بلغ 570 كيلو من الزيتون، بحسب المهندس محمد أبو عودة رئيس قسم البستنة الشجرية في وزارة الزراعة.

ومن أنواع أشجار الزيتون المنتشرة في قطاع غزة، ثلاثة أصناف رئيسية هي "السري والشملالي و ما يسمى بـ K18"، إضافة إلى أصناف محلية أخرى مثل :ضهير وابو سنقار"، وأصناف عالمية أخرى مثل "أربيكون وكلاماتا".

مصدر رزق

ويعتبر المزارع الفلسطيني سالم الأغا أن موسم قطف الزيتون هو موسم مميز له بهجة ونكهة خاصة ينتظره الفلسطينيون بفارغ الصبر كل عام، لافتاً إلى أنّه أيضاً يعمل على تشغيل عدد من الأيدي العاملة لفترة محدودة منذ بداية الموسم.

وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح الآغا أنهم يعتمدون على طريقة القطف والتنظيف اليدوي للزيتون لأنها الطريقة الأفضل من وجهة نظر الكثيرين من المزارعين الفلسطينيين والذين يعتمدون عليها بشكل أساس حسب قوله.

الآغا، الذي يملك أرضًا تُقدَّر مساحتها بعشرة دونمات، في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتحتوي على قرابة 200 شجرة زيتون ذات الأنواع المختلفة والتي أبرزها ما يطلق عليه بـ"الشملالي" الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الزيت، يقول: ""نبدأ مع بداية شهر تشرين الأول بعملية قطف الزيتون، ومن ثم يجري نقله إلى معصرة لاستخراج الزيت، ومن ثم نبيعه بكميات معروفة، وأيضاً نقوم بتوزيع جزء منه على الأقارب والأصدقاء والجيران".

طريقة القطف

وعلى الرغم من الأبحاث العديدة التي أجريت في موضوع طرق القطف البديلة مثل القطف الميكانيكي، والقطف الهرموني (المواد المنتجة لغاز الإيثيلين)؛ إلا أن القطف اليدوي يبقى الأكثر شيوعًا في مختلف دول العالم المنتجة للزيتون.

ولطريقة القطف تأثير كبير على نوعية ثمار الزيتون، كما أن موعد القطف له تأثير كبير جدًا، على نوعية الثمار والزيت الناتج منها؛ فالقطف في الموعد الصحيح، يعطي زيتًا بنوعية أفضل، كذلك فإن الثمار التي تقطف قبل موعد نضجها، أو تكون قد تعرضت للضربات أثناء القطف والجمع والنقل تبقى ذات نوعية سيئة.

موعد القطف

أما موعد قطف ثمار الزيتون، فيكون عادة عند وصول الثمار للحجم الطبيعي، في حالة كونها معدة للكبيس، أو أن نسبة الزيت وصلت إلى أعلى نسبة لها، ويكون نضج الثمار بعد حوالي خمسة إلى ثمانية أشهر (5- 8) من تاريخ الإزهار، حسب المنطقة، والصنف، والظروف الجوية، وعوامل أخرى عديدة، مثل التربة، وكمية المحصول، والمعاملات الزراعية من تقليم، وفلاحة، وري، وكذلك عمر الأشجار، والأصل المطعمة عليه الأشجار، بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.

وعند بداية النضج تكون نسبة الزيت منخفضة، ثم تبدأ بالزيادة حتى تصل إلى أعلى نسبة خلال بضعة أسابيع عند النضج الكامل، وهو عادة ما يكون في شهري تشرين الأول، وتشرين الثاني. وعند وصول الثمار لدرجة النضج الكامل، تبقى كمية الزيت في الثمار ثابتة. وإن اختلفت نسبتها بسبب الأمطار أو مياه الري.

ويكون موعد القطف للكبيس أو العصر في المناطق الساحلية وشبه الساحلية والغورية مبكراً عن موعد القطف للكبيس والعصر في المناطق الجبلية.

وقطف الزيتون للكبيس الأخضر يكون مبكراً بحوالي 2- 4 أسابيع عن موعد القطف للعصر؛ أما موعد القطف للكبيس الأسود، فقد يتأخر عن موعد القطف للعصر بحوالي الشهر أيضًا، كذلك يتحدد موعد القطف تبعًا لنوعية الزيت المراد الحصول عليها؛ فالقطف المبكر بعد النضج، يعطي زيتًا بنوعية أفضل من القطف المتأخر.

الانتاج محدود

ورغم أن وزارة الزراعة في قطاع غزة توقعت أن يكون موسم إنتاج الزيتون لهذا العام متوسطاً واقل من العام الماضي لأسباب وصفتها بالفسيولوجية الموجودة في ثمرة الزيتون، والتي أدت إلى انخفاض في انتاج الزيتون لهذا العام بسبب ظاهرة تبادل الحمل واختلاف الظروف الجوية وارتفاع درجات الحرارة، يؤكد المزارع عبد الرحمن حمدان أن الموسم ناجح بنسبة محدودة لأن موجة الحر التي أتت على الأراضي الفلسطينية هذا العام أثرت على نوار الزيتون، لافتاً إلى أن كميات الزيتون قليلة وسعر الزيت مرتفع هذا العام.

ويوضح المزارع حمدان لـ"النشرة" أن هناك صعوبة في عملية ري أشجار الزيتون في قطاع غزة، بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي لا تكفي لري الأشجار سوى 6 ساعات، بدلاً من 16 ساعة وهي حاجة الزيتون الطبيعية للري.

ويضيف: "الأشجار تحتاج للري لمدة 16 ساعة بمعدل ساعة لكل دونم، ونحن لا نستطيع توفير الكهرباء بمعدل 16 ساعة بشكل يومي".

ويلفت حمدان إلى أن المياه الجوفية بدأت تزداد ملوحة عاماً بعد آخر، لكن مختلف المزارعين الفلسطينيين مستبشرون بموسم وفير من الأمطار هذا العام.

المزارعون والاحتلال

ورغم أن الفلسطينيين يعتبرون أن شجرة الزيتون رمز وهوية لفلسطين نظراً لقدسيتها وعطائها وتجذرها في الأرض الفلسطينية، يواجه المزارعون الفلسطينيون صعوبة في الوصول إلى أراضيهم في المناطق المصنفة "ج" والتي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، حيث يمارس الجيش الإسرائيلي عدة إجراءات تعسفية لإعاقة جني ثمار الزيتون، إضافة إلى تعرض الكثير من الأراضي إلى عمليات تجريف إسرائيلية في عدد من المناطق الحدودية لقطاع غزة، ومصادرة كاملة للأرض في مختلف مدن ومناطق الضفة الغربية المحتلة، إلا أنّ الفلسطينيين يبدون إصراراً على مواصلة عملهم في جني ثمار الزيتون.

ويقول عدد من المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، أن إسرائيل تشن حرباً شرسة وتبرز عداءً كبيراً من قبل المستوطنين اليهود تجاه أراضيهم وأشجارهم التي يصادرونها ويقتلعونها، ما يجعلهم يفقدون مصدر رزقهم الأساسي.

وصادرت إسرائيل آلاف الدونمات المزروعة بأشجار الزيتون منذ مئات السنين في الأرض الفلسطينية، منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وحتى الآن، في وقت يتحدى المزارع الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة الاحتلال من مصادرة أرضه ويبرز هنا الدور الوطني الفلسطيني في الدفاع عن الأرض.

وفي نفس السياق، نفذت مجموعات من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة عمليات تدمير حقيقية لبساتين الزيتون، من خلال إشغال الحرائق باستخدام مواد كيماوية حارقة، تعمل على تجفيف الأشجار وموتها كما تفعل النيران.

وتهدف إسرائيل من وراء كل ذلك إلى إبعاد المزارعين عن الفلسطينيين عن أرضهم والاستيلاء على الأرض وسرقة الهوية والرمزية الفلسطينية، كل ذلك يضاف إلى سلسلة الاعتداءات اليومية على المزارعين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.

(1)يستهلك قطاع غزة 4 آلاف طن لتخليل الزيتون، فيما يستخدم قرابة 10 الاف طن في استخراج الزيت والذي تقدر كميته بنحو 1700 طن زيت، علماً بأن احتياج قطاع غزة من الزيت 3500 طن أي أن هناك حاجة لـ1800 إلى 1700 طن سيتم إدخالهم من الضفة الغربية على شكل ثمار يتم عصرها في معاصر القطاع.

للاطلاع على صور أجواء موسم قطف الزيتون في قطاع غزةاضغط هنا