يؤرق تصاعد وتيرة "الهجرة غير الشرعية" لأبناء ​المخيمات الفلسطينية​ في لبنان، إلى جانب النازحين الفلسطينيين من سوريا، المسؤولين على مختلف انتماءاتهم الوطنية والاسلامية، وسط خشيةٍ من "مخطّطٍ مشبوه" يهدف إلى تفريغ المخيمات من أبنائها وعائلاتها كمقدّمةٍ لشطب ​حق العودة​، تزامنًا مع تقليص وكالة "الاونروا" لخدماتها التربوية والاجتماعية والصحية والضغوط لانهاء عملها كشاهدٍ حيّ على نكبة فلسطين عام 1948.

إزاء هذا الوضع، دقّت القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية في لبنان ناقوس الخطر، باعتبار أنّ المخيمات لم تشهد من قبل هجرة جماعية لعائلات بأكملها كالتي تشهدها اليوم، وإن كان ثمّة أسباب كثيرة تضافرت لتجعل أبناء المخيّمات يطلبون اللجوء الانساني في الدول الاوروبية وخاصة المانيا، وفي مقدّمها الحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية والانسانية وحقّ العمل والتملك، خصوصًا أنّ الحرمان يولد الفقر المدقع وارتفاع نسبة البطالة، وكلاهما يقود الى اليأس والاحباط، اللذين بدورهما يوصلان الى اتخاذ اي قرار للتخص من ضنك العيش والحصار الامني نتيجة واقع المخيمات.

لا بدائل مُتاحة

وفي هذا السياق، يلفت أمين سر ​اللجان الشعبية الفلسطينية​ في لبنان أبو إياد شعلان، في حديث لـ"النشرة"، إلى عدم وجود أحصائية رسمية لعدد الذين هاجروا من المخيمات في لبنان إلى الدول الأوروبية حتى الآن، إلا أنّه يجزم أنّ أعدادهم تفوق المتوقع، "إذ نسمع كل يوم عن فلسطيني ترك المخيم وهاجر دون ان يعلم جاره حتى، وقد يبيع كلّ ما يملك لتحقيق هدفه اعتقادًا منه أنّه سيحظى بفرصة أفضل للحياة بحرية وبكرامة، ولكن للأسف فقد دفع بعضهم حياته ثمنًا لذلك، عبر "ركب" البحار و"قطع" الصحاري، وما بينهما من مخاطر ومافيات وسمسرات".

ويشير شعلان إلى أنّ معالجة هذا الموضوع تتمّ خارج إطار اللجان الشعبية، باعتبار أنّ الأخيرة تنأى بنفسها عنه طالما أنّ لا بدائل مُتاحة، "فالواقع الفلسطيني بأزمة حقيقية نتيجة الظروف الصعبة التي يترنح تحت وطأتها الاف اللاجئين في لبنان منذ سنوات النكبة، والوضع الاقتصادي صعب والمستقبل غير مبشّر وسط انعدام فرص العمل"، ويوضح أنّ هناك فقط في منطقة صيدا 2100 خريج جامعي، نصفها تقريبًا عاطلون عن العمل، "وبالتالي فان هؤلاء يبحثون عن فرص لحياة افضل دون النظر الى النتائج المترتبة عن الهجرة على صعيد ​القضية الفلسطينية​ خاصة انه ليس هناك مؤشرات عن حلول لتأمين فرص العمل في المخيمات التي ستبقى برمزيتها عنوانا للقضية وحق العودة".

مخطط مشبوه؟

هكذا، باتت الهجرة على كلّ شفة ولسان في أروقة ​مخيم عين الحلوة​، خصوصًا بعد أن باتت شبه جماعية خاصة لجيل الشباب الذين يتخرجون من الجامعات بوظيفة "عاطل عن العمل" أو "ممنوع من العمل"، علًا أنّ تعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا كان يتجاوز الثلاثة آلاف عائلة، لم يبقَ منهم أكثر من ألف عائلة، وأن معدل الهجرة من مخيم عين الحلوة وحده ارتفع إلى نحو 15 % في الفترة الاخيرة.

ويرى ممثل حركة "حماس" في منطقة صيدا ابو احمد فضل، في حديث لـ"النشرة"، أنّ هذه الهجرة وبهذه الطريقة تحمل في طياتها مخططًا مشبوهًا، تحت عناوين إنسانية شتى، ويوضح أنّ "أبناء المخيمات كانوا يعيشون في ضائقة مالية واقتصادية أصعب وكانوا يتأقلمون مع الواقع ويتحملون في سبيل القضية والعودة، ولكن اليوم يبدو من خلال تسهيل استقبال المهاجرين أنّ هناك مخططًا يصبّ في نهاية المطاف في خدمة العدو الصهيوني في شطب حق العودة خصوصًا أننا شهدنا محاولات كثيرة مؤخرًا لانهاء عمل "الاونروا" وتقليص خدماتها تحت حجة العجز المالي".

ويوجه فضل نصيحة الى جيل الشباب الفلسطيني بعدم ركب البحار مهما كانت الاسباب والمبرّرات، فالمخيمات عنوان للعودة، معتبرًا أنّ تدمير بعض المخيمات وتهجير ابنائها بدءًا بـ"النبطية" و"تل الزعتر" مرورا بـ "نهر البارد" وصولا الى اليرموك كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وفتحت الابواب على مصراعيها دون اي رادع...

خلاصة القول، فإنّ هجرة أيّ شخصٍ أو عائلة، وإن كانت لكلّ منهما مبرّراته، هي في القراءة الفلسطينية تمريرٌ لمشروع شطب حقّ العودة عبر التشجيع على كسر المألوف، ونشر إغراءات المغادرة تحت وطأة الأحلام الورديّة، التي يوضَع تحت تأثيرها الشّباب الفلسطينيّ.