أظهرت نتائج انتخابات المرحلة الأولى في مصر، والتي شملت 14 محافظة، أن نسبة مشاركة المصريين فيها ضعيفة (26.56%)، وهي تعبّر عن يأسهم من "الربيع العربي" بعد ثورة يناير 2011، ووجود حالة إحباط من ثورة يونيو 2013 التي أوجدت انقساماً حاداً في المجتمع المصري بين أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي و"الإخوان المسلمين"، استغلّته المجموعات التكفيرية وكشفت مصر على أوضاع أمنية متفجرة.

اعتمد هذا القانون على النظام الفردي، فأعطى 448 مقعداً للأشخاص (80%)، و120 مقعداً للقوائم (20%) التي تتشكل من الأحزاب والمستقلين، ويحق فيه للرئيس تعيين 5% من الأعضاء، وألغى دور العمال والفلاحين الذين كانت نسبتهم في المجالس السابقة 50% من المقاعد.

استغلّ رجال الأعمال هذا القانون، فشاركوا في هذه الانتخابات بكثافة، سواء من خلال ترشيح أنفسهم، أو دعم القوائم المشتركة، ومن أبرزهم نجيب ساويرس؛ مؤسس "حزب المصريين الأحرار" الذي ينافس على أكثر من 200 من المقاعد الفردية، ورجل الأعمال السيد البدوي، الذي يمتلك قنوات تلفزيونية عديدة، وكذلك رجل الأعمال آدم فرطام، وآخرون، وقد استفادت منه أيضا الشخصيات السياسية من عهد مبارك (الحزب الوطني المنحل).

أعطى هذا القانون فرصة للرئيس عبد الفتاح السيسي ليكون صاحب النفوذ على البرلمان، من خلال مساهمته في تشكيل قائمة "حب مصر" من عشرة أحزاب أساسية فازت في المرحلة الأولى بـ60 مقعداً، على أساس القوائم في دائرتي الصعيد وغرب الدلتا.

رسّخت الانتخابات واقعاً سياسياً جديداً يكاد يخلو من التيار الإسلامي، والذي أصيب ممثله الوحيد "حزب النور" بالهزيمة التي اعترف بها نائب رئيس "الدعوة السلفية"؛ د. ياسر برهامي.

تكاد هذه الانتخابات تخلو من الرؤية السياسية والخطط الاستراتيجية التي ترعى مصالح المجتمع المصري وشؤونه، وذلك لعدة أسباب منها:

1- كثير من المرشحين هم من أصحاب المصالح وليس المبادئ، ما يعني أن مصالحهم الذاتية ستكون مقدَّمة على مصالح شعبهم.

2- خلوّ الحملات الانتخابية من الخطط والبرامج، واقتصارها على مجموعة من الشعارات العامة "ما فيش مستحيل" و"الفقر حا نهزمه".

3- عدم وجود كتلة أساسية تمثّل العمال والفلاحين؛ اللبنة الأساسية للمجتمع المصري، تعبّر عن مصالحهم داخل البرلمان، وقادرة على فرضها من خلال قوتها في المجتمع.

4- قدرة الرئاسة في التأثير على البرلمانيين، ولو أدى ذلك إلى تقليص بعض صلاحيات البرلمان الأساسية وإعطائها للرئيس.

تترافق هذه الانتخابات مع مجموعة من الاستحقاقات الوطنية التي تحتاج إلى بعض القوانين التي ستأخذ بالشعب المصري إلى شاطئ الأمان، والقرارات المصيرية التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، وتفرض على البرلمان أن يأخذ دوره القومي فيها، خصوصاً في الأوضاع الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وجديدها القديم مؤامرة طرد الفلسطينيين من أرضهم في الـ48، انتقاماً من مفتي القدس أمين الحسيني (رحمه الله)، الذي طلب من هتلر أثناء لقائه به أن يحرق اليهود، بحسب ادعاء نتنياهو الكاذب، عقاباً لهم على هذه المحرقة الموهومة.. وهنا نسأل: كيف ستواجه مصر العروبة هذه المؤامرة الخطيرة، وغيرها من المؤامرات التي تحاك للأمة في سورية والعراق واليمن؟ وكيف سيتعاطى معها البرلمانيون الجدد؛ هل سيعتبرونها قضية مصيرية، أم أنهم سيتقاعسون عن القيام بواجبهم القومي؟ وما هو موقف الشعب المصري منهم؟ هل يستطيع محاسبتهم وفرض خياراته القومية عليهم؟ وما هو الموقف التاريخي الذي سيتخذه الرئيس السيسي من هذه الأزمات؟ وهل سيكون منسجماً مع دور مصر الريادي؟ لننتظر بعض الوقت ونرَ بوصلة مصر كيف ستكون وجهتها.