ان اردنا البدء بالتحدث عن الفساد في لبنان، فلا نعلم الى أين قد نصل، "فالداخل الى هذا الملف مفقود والخارج منه مولود"، وأقبية الفساد في هذا البلد تخطت بأشواط كل أنواع "الاقبية" الأُخرى، ولكن، سنجرّب طرح الموضوع من ناحية علميّة وبالارقام، للمقارنة بين عهدين رئاسيين، عهد الرئيس السابق اميل لحود، وسيكون بدءا من العام 2003 (تاريخ انضمام لبنان لمؤشر الفساد العالمي)، وعهد ​ميشال سليمان​ الذي انتهى عام 2014، وهذا موجّه خاصة لمن يقول ان الرئيس لا يملك صلاحيات ولا يمكنه التغيير ولكن بعد التدقيق سنكتشف العكس فالرئيس قادر على فرض نفسه رقما صعبا وفضح الألاعيب.

بعد انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990 تم بناء "الدولة" على أساس المحاصصة، واستمر الأمر على هذا المنوال اعواما طويلة، ففي العام 2003 في عهد الرئيس السابق ​إميل لحود​ وبعد 3 اعوام على تحرير أغلب الاراضي اللبنانية المحتلة من الاسرائيلي، كان ترتيب لبنان حسب مؤشر الفساد حول العالم "78" من ضمن 133 دولة منضمّة للمؤشر، أي ان احتسبنا العمليّة بالنسبة المئويّة لوجدنا أن لبنان له حصّة "59 بالمئة".

في تلك السنوات حاول لحود بناء دولة المؤسسات والقانون وارتفعت وتيرة معاركه مع رؤساء الحكومة في تلك المرحلة، ولكن في العام 2004 كان لبنان بالمركز 97 من اصل 146 دولة اي "66 بالمئة". بعدها اتخذ الفساد منحى تنازليا، ففي العام 2005 بلغ "52 بالمئة" أي في الوسط بين الدول الفاسدة والدول الخالية من الفساد، ومن ثم عام 2006 "33 بالمئة" أي في الثلث الاول من الدول الخالية من الفساد رغم ان عدد الدول المنضمّة لمؤشر الفساد في ذلك الوقت أصبح 163 دولة، واخيرا عام 2007 أي العام الأخير لولاية لحود كانت النسبة "55 بالمئة" أي في الوسط مجددا. وهكذا نجد ان متوسط نسبة الفساد في لبنان في اربع سنوات من ولاية لحود كانت 54 بالمئة اي في منتصف الترتيب بين الدول التي وصل عددها عام 2007 الى 180 دولة.

إستلم الرئيس السابق ميشال سليمان رئاسة الجمهورية في الثلث الاخير من العام 2008، ولكي لا نظلم الرجل سنبدأ الحديث من العام 2009، لتكون المفاجأة بأن مركز لبنان بين الدول الفاسدة قد تراجع كثيرا واصبح بالمركز 130 من أصل 180 دولة، أي بنسبة "72 بالمئة" وهي النسبة التي لم يقترب منها لبنان سابقا. وتستمر هذه النسبة على حالها رغم وعود سليمان بمواجهة الفساد، ففي العام 2010 أتت النسبة "71 بالمئة"، و"73 بالمئة" عام 2011، ومن ثم "73 بالمئة" في 2012، و"72 بالمئة" عام 2013، واخيرا وبنسبة غير مسبوقة ودّع سليمان الحكم بنسبة "مشرّفة" بلغت "78 بالمئة" فحلّ لبنان بالمركز 136 من أصل 175 دولة، ليكون بذلك لقب الفساد ملازما للدولة اللبنانية أينما ذكرت حول العالم.

بتحليل النتائج يشير مصدر مسؤول عايش ولايتي الرئيسين لـ"النشرة" الى ان ما يقال عن "فساد سوري" تبيّن بالارقام عدم دقّته، فاللبنانيون أبدعوا فسادا بعد خروج الجيش السوري من لبنان، والنسبة بظل الاحتلال السوري كانت أفضل بأشواط مما هي الان، وبالتالي علينا فعلا ان نقارن بين عهدين رئاسيين لأن رؤساء الحكومة في لبنان يتغيّرون مرة وربما أكثر خلال فترة حكم رئيس الجمهورية التي تبقى مدة حكمه ثابتة.

ويضيف المصدر، "انحدر مستوى المؤسسات خلال عهد سليمان الى الحضيض، وربما إن عدنا لعمل وزيره ومستشاره ​ناظم الخوري​ في وزارة البيئة لوجدنا سبب سقوط لبنان في مستنقع الفساد أكثر من قبل"، مشيرا الى ان الخوري فور تسلمه وزارته بانت طريقة عمله ونيّته، بحيث استاء كثيرا لدرجة توجيه "التأنيب"(1)لمدير عام البيئة ​بيرج هتجيان​ بسبب بريد الكتروني ارسله الأخير لموظفي الوزارة يطلعهم فيه على التسلسل الزمني الذي مرت به وزارة البيئة لكي تصبح وزارة مستقلّة ذات قوانين واضحة وصارمة تمنع تدخّل باقي الوزارات فيها، والتي حصلت بمعظمها في عهد الرئيس لحود الذي كان من أشد الداعمين لهذه الوزارة، الأمر الذي اغضب الخوري ومن خلفه سليمان"، مع الاشارة الى ان "النشرة" سبق وكشفت عبر تقارير عديدة "فضائح" بيئية كان بطلها الخوري نفسه.

ويتابع المصدر، "ليس صحيحا ان صلاحيات الرئيس تمنعه من تحقيق النتائج، بل هو إن أراد فعلا بناء دولة المؤسسات والقانون يستطيع ان ينجح أو على الاقل يستطيع ان يفضح كل التجاوزات أمام الرأي العام ويعرقل بعضها، ولكن البعض اختار الانخراط بالفساد لانه اعتبر ان اربع سنوات في الرئاسة فرصة عمر لن تتكرر".

لسنا من نحدد قضايا الفساد ونحاكم عليها، ولكن واجبنا الوطني يقتضي أن ننشر أمام الرأي العام ما يتوفر لنا من أرقام تبيّن بوضوح تدهور حالة لبنان ووصوله نحو "الفساد الدامس"، تاركين لكل ذي اختصاص القيام بعمله، فالقضاء له مسؤولياته بكشف المسؤولين الفاسدين ومحاكمتهم، والرأي العام له واجبه بمحاسبتهم كما تنص القوانين.

(1)أرسل ناظم الخوري تأنيبا للمدير العام الذي رفضه وارسل شكوى بالأمر أمام مجلس شورى الدولة الذي ردّ التأنيب واعطى المدير الحق بمخاطبة الموظفين عبر البريد الالكتروني.