بين "الحلّ العسكريّ" و"الحلّ السياسيّ" للأزمة السورية حربٌ جدلية قاربت عامها السادس.

مدُّ وجزرٌ بدأ بمواقف حازمةٍ رافضة لأي حوار أو إتفاق قبل "رحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد" عن رأس السلطة في سوريا؛ لتعود وتسقط أبواق النصر الخُرافي عن عنهجية التفرّد بالقرار بعد الإصطدام بصلابة الرئيس الأسد وتماسك الجيش السوري - على رغم الإنشقاقات المتوقّعة – كما صمود الشعب السوري ووفاء السلك الدبلوماسي السوري في مختلف بلدان العالم.

ولا ننسى دور قوة تحالف جبهة الممانعة بدُولها وأحزابها وأفرادها المترجمة مواقف سياسية وتعاوناً عسكرياً أرضخ تلك الأصوات المتعالية لما سُمّي "بالحلّ السياسي"رغم الوضع الحالي المتمثل بـ"بقاء الأسد"؛ فشهدنا مفاوضات تشاور عدّة إلى أن كانت إجتماعات العاصمة النمساوية فيينا باباً للخروج من الأزمة السورية بعد أن سبقها إجتماعات دبلوماسية علنية وسرية.

في هذا السياق، أتت زيارة الرئيس ​بشار الأسد​ إلى موسكو وإجتماعه المغلق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي تعددت التكهنات بشأنها خلاصة ختامية لإجتماعات فيينا حتى قبل أن تبدأ؛ انكشفت بما أعلن عنه وزير خارجية روسيا ​سيرغي لافروف​ في قوله أن الإتفاق على رحيل الأسد "شائعات" و"مصير الرئيس السوري ينبغي أن يقرّره الشعب السوري".

من هنا، يُطرح السؤال المفصلي حول جدوى تلك المباحثات في ظلّ غياب دول لعبت البعض منها دوراً هاماً في الأزمة السورية؛ كما في ظلّ ثبات الموقف السعودي الذي أعلن عنه وزير الخارجية السعودي ​عادل الجبير​ والذي حزم بأن رحيل الأسد حتمّي والحوار هو على وجوب الإتفاق على "موعد محدد".

إنّها الحرب العسكرية تنتقل من ساحات القتال إلى المقاعد والمنابر؛ أزمةٌ ما بعدها أزمةٌ؛ فشلٌ سياسي دولي بإمتياز لقراءةِ منهجية وإستراتيجية محاربة الإرهاب، ومخاطر التمدّد الإرهابي العسكري والعقائدي إلى ما بعد بعد الشرق الأوسط، لتأتي أزمة النازحين السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين تدق ناقوس الخطر الديموغرافي والإقتصادي والإجتماعي والتنموي على الدول الغربية التي بدأت بوضع حلول بديلة مؤقتة لها مع يقينها أن الحلّ الأنجع هو عودة النازحين إلى بلادهم بعد وجوب إحلال السلام في سوريا.

وفي ظلّ غياب سياسة دولية جامعة على الأولويات في سوريا خصوصاً؛ وعلى الشرق الأوسط عموماً؛ يبقى فشل مفاوضات فيينا هو العنوان الأصحّ.

إنطلاقاً من هذا الواقع يبقى السؤال الآخر عن مدى تأثير "الحل العسكري" في ظلّ الضربات الروسية على التحرّك الدولي؛ يُستشَفّ أن هذا التهاون في الإتفاق المبدئي السياسي على السلام في سوريا مفاده رهانٌ من فريق دولي على عدم قدرة روسيا المالية على الصمود طويلاً في تدخلها العسكري سيّما أن هذه الحرب تكبّد روسيا نفقات ضخمة قد تلحق تداعيات سلبية على إقتصاد بلدها، بحسب هؤلاء.

وفي المقلب الآخر، واضحٌ أن التنظيمات الإرهابية بأشكالها وتسمياتها وفصائلها تضربها الإنشقاقات العقائدية والإنشقاقات العسكرية والإدارية - وما هذه إلاّ بوادر مرحلة مستقبلية آتية لا محال ستتبلور أكثر فأكثر وهي إقتتال الجماعات الإرهابية فيما بينها، والسبب الأبرز لها هو: مصادر التمويل وسيطرة التمويل.

لننتقل بالحديث من "الحلّ العسكري" إلى "الحلّ السياسي" فـ"الحلّ الإقتتالي"، و"الحلّ التمويلي" لتكون النهاية كما البداية: التمويل.

وفي بُعد آخر، نجد أنّه لا بدّ من أن يشهد المستقبل البعيد نهضة ثقافية بالتوازي مع الحروب الجارية متوقع أن تتبلور ذروتها بمؤتمرات دولية داعية إلى محاربة الفكر التكفيري وضرب الإرهاب العقائدي لنشهد "حرباً ثقافية" لا محال غير أن يختبىء وراءها صنّاع الحروب ليدخلوا عبرها ومن باب آخر إلى إتفاقات تُثمر حلولاً مُسمّاة "سياسية" إنّما فرضها الواقع العسكري - الإقتصادي – المالي.

أمام هذ المشهد الحاضري والمستقبلي؛ لبنان في مهبّ الريح؛ ورقة خريفية؛ ضرب الخَرَفُ معظمُ سياسييه بدءاً من الذين إعتلوا المنابر مهللين نصرَ سقوط النظام في سوريا لتحسَبنّ أن "الحرية" ولدت على أيديهم، إلى دُعاة "الحياد" لتظنَنّ أن لبنان جزيرة نائية يقطنها أصنامٌ.

خطرٌ داهم يُحدق ُبنا، على حُدودنا معارك قتالية دامية يومية؛ وفي الداخل معارك نظرية؛ إنها مرحلة تبدو ترقبية، بعيدٌ عنها إنتخاب رئيس للجمهورية. إنّه مشروع تدميري من نوع آخر، فهل يسقط؟