في الوقت الذي يتم الحديث عن بوابة النهاية للعمل العسكري في "إعادة الأمل"، وفتح المجال للعملية السلمية في اليمن (كما عبّر وزيرا الخارجية السعودي عادل الجبير، ونظيره البريطاني فيليب هاموند) والذي ترافق مع اجتماع فينا، الذي اجتمع فيه وزير الخارجية السعودي ووزير خارجية إيران بعد انقطاع طويل بينهما، لأن السعودية كانت ترفض اللقاء مع إيران، نرى أن التصعيد العسكري يزداد حدة في العديد من المناطق اليمنية، من خلال الغارات الجوية على المناطق الشمالية التي تقع تحت سيطرة "الحوثيين" بالكامل؛ في صنعاء وصعدة وغيرها من محافظات الشمال، ومن خلال الهجوم البري مع الغطاء الجوي الكثيف في مناطق النزاع في تعز ومأرب، نظراً إلى أهميتهما العسكرية، من أجل إحكام السيطرة عليهما من قبَل التحالف السعودي - الأميركي ومجموعات هادي والمجموعات التكفيرية، وتطويق العاصمة صنعاء، بهدف السيطرة عليها والتمدد بعدها باتجاه المناطق الأخرى كصعدة وعمران، لإضعاف شوكة "الحوثيين"، وأخذهم إلى المفاوضات صاغرين.

يدعو هذا الأمر إلى التأمل في حقيقة ما يجري في اليمن، وما ستؤول الأمور إليه، وما هو هدف السعودية من الحديث عن توجهها نحو العملية السلمية؛ هل هي الحقيقة، أم هناك شيء آخر تُضمره؟

تشير المعطيات إلى أن السعودية غير مقتنعة بوقف الحرب، ومُصرّة على الاستمرار فيها، ولا نية لديها لوقف إطلاق النار وبدء العملية السلمية، على الرغم من دعوتها "الحوثيين" إلى المفاوضات انطلاقاً من قرار مجلس الأمن 2216، لعلمها أن "الحوثيين" يرفضون الحوار انطلاقاً من هذا القرار، لكنها فوجئت بقبول "الحوثيين" الحوار السياسي على أساس هذا القرار، وتقول مصادر مطلعة إن لدى الحوثيين نية جادة من أجل الوصول إلى تسوية عادلة، لكنهم في الوقت نفسه ليسوا مقتنعين بقرار مجلس الأمن لأنه غير منصف، لكنهم بموافقتهم هذه سيحرجون السعودية أمام الآخرين كي يذهبوا إلى جلسات الحوار السياسي، وبعدها وبحسب خطتهم سيعملون على تحسين بنود القرار بالطريقة التي تتناسب مع مصلحتهم كبند خروج المسلحين من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها وتسليمها للجيش، الذي بحسب رأيهم هو نفسه الذي يحارب معهم.

السعودية من جهتها طلبت من المبعوث الدولي ولد الشيخ أحمد أن يوقّع "الحوثييون" على وثيقة يقرون فيها بقبولهم المفاوضات على مبدأ القرار 2216.

ما تخطط له السعودية هو التخفيف من وطأة الضغط الأميركي والغربي عليها، بالايحاء لهما أنها وافقت على العملية السلمية، لكنها في المقابل تأخذ الأمور نحو التصعيد العسكري؛ بتكثيف الغارات والهجوم البري، والاستعانة بالمرتزقة الذين قدموا من سورية عبر تركيا، (500 أفغاني وشيشاني)، حسب ما كشفت وسائل الإعلام، علها تستطيع أن تحظى بفرصة جديدة، تستطيع من خلالها السيطرة على مناطق "الحوثيين".

تشير الوقائع الميدانية إلى أنه بعد ثمانية أشهر من حرب السعودية الغاشمة على اليمن، والتي لم تستطع فيها أن تحقق انتصاراً عسكرياً هاماً، بل جلّ ما فعلته هو أن المناطق التي سيطرت عليها أصبحت الآن تحت سيطرة "داعش" و"القاعدة"، وما عملته هو تدمير اليمن وقتل الابرياء فيها، ما تزال السعودية مستمرة في عدوانها على اليمن، لكنها لن تستطيع القضاء عليه وعلى أحزابه الممثلة له، لأنه صاحب قضية محقة، واستمرارها في عنادها وظلمها للآخرين بطريقة التعاطي مع الأزمة السورية والعراقية، سيأخذ المنطقة إلى شرق أوسط مختلف عما تمّ رسمه بعد الحرب العالمية الثانية.