لم يعد ينحصر السجال، على مستوى الجماعات المتطرفة، بالخلاف بين أنصار تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين، بل هو يتمدد اليوم إلى داخل حركة "طالبان" الأفغانية، بعد الإعلان شبه الرسمي عن إنقسام داخل الحركة، كانت معالمه قد ظهرت مباشرة بعد الكشف عن وفاة زعيمها التاريخي ​الملا عمر​، لكن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح، في هذه الآونة، عن إمكانية إنعكاس هذا الأمر على فروع "القاعدة" في العالم، نظراً إلى أن "أمير" الأخيرة ​أيمن الظواهري​، كان قد أعلن في وقت سابق "مبايعة" الملا منصور.

من حيث المبدأ، كان أنصار "داعش" أبرز المهللين للمعلومات عن إختيار "مجلس شورى الإمارة الإسلامية"، بعد إجتماع في إقليم زابل في جنوب أفغانستان، الملا محمد رسول، أحد القياديين الذين ساهموا في تأسيس "طالبان"، زعمياً جديداً للحركة، لا سيما مع تعاظم نفوذ التنظيم داخل الأراضي الأفغانية، نظراً إلى أن إحتمال إندلاع المواجهات بين فرعي "طالبان"، سوف يساهم في تخفيف الضغط عنهم، وسيقدم لهم خدمة يحتاجون لها على صعيد تسويق أنفسهم، من خلال القول أنهم الفصيل الأقوى والأكثر تنظيماً على الساحة العالمية.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على عمل التنظيمات المتطرفة، عبر "النشرة"، إلى أن الخلاف، بين جناحي "طالبان"، بدأ مباشرة بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر، نظراً إلى الإتهامات التي وجهت إلى خليفته الملا منصور باخفاء خبر وفاته عن أبرز قياديي الحركة، ومن ثم الإعلان عن توليه "الإمارة" بطريقة غير "شرعية"، أي دون العودة إلى "مجلس شورى الحركة"، في وقت كانت الإنتقادات توجه له بالتبعية إلى المخابرات الباكستانية من جهة، وبالوقوف وراء عملية قتل سلفه من جهة ثانية، بالإضافة إلى تعاظم الإختلاف في وجهات النظر داخل الحركة حول مباحثات السلام مع الحكومة الأفغانية، التي كان يريد الملا منصور التركيز عليها.

كان من المتوقع أن تنتهي هذه الأزمة، بعد إعلان يعقوب (نجل الملا عمر)، قبل ما يقارب الشهر والنصف، أن والده توفي وفاة طبيعية، إلا أن التوتر تضاعف مع إصرار قيادات مهمة بالحركة على عدم الإعتراف بـ"شرعية" الملا منصور، بسبب عدم رغبته في تقديم التنازلات المطلوبة، والمتمثلة بشكل أساس بالتنحي والذهاب إلى "مجلس شورى طالبان" من أجل إختيار "أمير" جديد، دون حرمانه من إمكانية العودة بصورة "شرعية" إلى رأس الحركة.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، كان من الواضح بعد فشل المفاوضات بين الجانبين أن الأمور ذاهبة نحو "الإنشقاق"، لا سيما أن المعارضين يضمون في صفوفهم عدداً كبيراً من القيادات التاريخية، بالإضافة إلى قيادات أخرى بارزة على الصعيدين السياسي والميداني، مع العلم أنهم وضعوا إطاراً لهم يتمثل بـ"المعارضة السياسية"، أي عدم الذهاب إلى الإقتتال الداخلي مع جناح الملا منصور، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يضمن هذا الأمر في المرحلة المقبلة.

وتشير هذه المصادر إلى أن المعارضين عملوا على ترتيب أوضاعهم، خلال إجتماعهم الأخير، عبر السعي إلى تقاسم مراكز النفوذ بين الأقطاب البارزين، فتم تعيين القائد العكسري البارز المولوي منصور دادالله نائباً أول لـ"الأمير"، في حين عين المولوي شير محمد، نجل أحد القادة السابقين في "طالبان" المولوي نصر الله منصور نائباً ثانياً له، لكن هذا لا يعني أنهم سيكونون قادرين على إستقطاب القسم الأكبر من عناصر الحركة، على إعتبار أن هناك العديد من العوامل التي ستكون مؤثرة، لا سيما الإنتماءات المناطقية والقبلية، بالإضافة إلى تلك المالية في ظل تمركز أغلب مصادرها في يد الملا منصور.

بالإضافة إلى "داعش"، الحكومة الأفغانية من أبرز الرابحين من هذا "الإنشقاق"، فهي سعت إليه بغية إضعاف الحركة قبل الدخول في مفاوضات سلام معها، أي مع الجناح الأساسي الذي يقوده الملا منصور، في وقت كانت الحكومة الباكستانية تسعى إلى دفع مفاوضات السلام قبل الوصول إلى هذه المرحلة، من أجل تعزيز فرص "حليفها" في "طالبان".

من وجهة نظر هذه المصادر، التحدي الأبرز سيكون على مستوى فصائل "القاعدة"، التي لم تنجح حتى الآن في حسم الجدل القائم في صفوفها منذ إنفجار الأزمة مع "داعش"، حيث أعلن بعضها الولاء للأخير، بعد أن اختار الظواهري الوقوف إلى جانب زعيم جبهة "النصرة" أبو محمد الجولاني، بعد الخلاف الذي إندلع على الساحة السورية، وتسأل: "ماذا سيكون موقف زعيم "القاعدة" بعد التطور الجديد على الساحة الأفغانية؟ هل يلتزم بالبيعة للملا منصور أو يقدم بيعة جديدة للملا محمد رسول؟"، وتضيف: "كل الإحتمالات المقبلة ستكون متوقفة على ما سيصدر من مواقف عن "طالبان" أولاً، ومن ثم عن قيادة "القاعدة" بزعامة الظواهري ثانياً".

وفي حين ترجح أن لا يؤدي هذا الأمر إلى أي تداعيات خطيرة في صفوف "القاعدة"، تشير إلى أن خيار إعلان "البيعة" لـ"الأمير" الجديد لن يمر مرور الكرام، لأنه سيمثل تكراراً لما كان أنصار الظواهري يوجهون الإنتقادات لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي بسببه، أي النكس بـ"البيعة"، كما أن الإستمرار على الولاء للملا منصور قد يكون أخطر في حال نجح الجناح الجديد في إستقطاب المؤيدين، وترى أن "الصمت" قد يكون الخيار المعتمد بهدف عدم الدخول في أزمات جديدة.

في المحصلة، سيكون "الإنشقاق" الجديد في "طالبان" هو الحدث الأبرز على صعيد الجماعات المتطرفة في المرحلة المقبلة، سواء بالنسبة إلى الأوضاع الأفغانية الداخلية، أو على صعيد الفصائل المنتشرة في بلدان العالم الأخرى.